د. عبد المجيد عبد الرحمن أبو ماجدة يكتب: قراءة تحليلية في خطاب “حميدتي” لحظة التوقيع على الإعلان السياسي الإطاري
صهيل الخيل
د. عبد المجيد عبد الرحمن أبو ماجدة
قراءة تحليلية في خطاب “حميدتي” لحظة التوقيع على الإعلان السياسي الإطاري
عاشت الدولة السودانية خلال الأشهر الماضية أوضاعاً سياسيةً واقتصاديةً وأمنيةً بالغة التعقيد، عقب الإجراءات التي اتخذها الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي، في الخامس والعشرين من أكتوبر من العام المنصرم 2021م.
ما أطلق عليها بعملية تصحيح المسار السياسي في السودان، وما صاحب ذلك من تجاذبات وتقاطعات سياسية كبيرة وانسداد في الأفق السياسي، مما زاد المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في البلاد تعقيداً واحتقاناً كاد أن يعصف بالاستقرار السياسي والأمني “الهش” في البلاد.
شهدت العاصمة الخرطوم الأسبوع الماضي، بداية شهر ديسمبر يوماً استثنائياً ومشهوداً، بحيث تم التوقيع على اتفاق إطاري بين قوى الثورة والمكوِّن العسكري وبعض المكوِّنات السياسية والواجهات الأخرى.
إنّ هذا الإعلان السياسي الإطاري قد تضمن قضايا كثيرة، كان أبرزها تشكيل سلطة مدنية لقيادة الفترة الانتقالية المقبلة، والتي نص الاتفاق على أن تكون مدتها عامان تبدأ من تعيين المجلس السيادي الانتقالي ورئيس الوزراء وما تبقى من الهياكل الأخرى التكملة لا تحول الانتقالي في البلاد.
إنّ هذا الاتفاق السياسي الإطاري، لا يمكن رفضه من أي قوى سياسية مؤمنة بالتحوُّل الديموقراطي الانتقالي لأنه يؤسس لسلطة مدنية وينتصر لخيارات الثورة والشعب السوداني الصابر والمحتسب، وهو المطلب الحقيقي الذي ظلت تطالب به قوى الثورة لتحقيقه ولجان المقاومة وقد حققته قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي ومن معها من قوى سياسية بعد توقيعها على الإعلان السياسي الإطاري “التوافقي” من دون مواقف متصلبة أو أي شروط مسبقة.
إنّ هذا الاحتفال بالتوقيع على الإعلان السياسي الإطاري كان باذخاً شكلت فيه “الأحزاب السودانية، ولجان المقاومة والثوار، ووجهاء مدينة الخرطوم من طرق صوفية وأستاذة جامعات، وإدارات أهلية، والبعثات الدبلوماسية، والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيغاد، وجامعة الدول العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والمملكة المتحدة، والنرويج، وبعض الأشقاء من الدول العربية والأفريقية” حضوراً أنيقاً زيَّن شرفات قاعة احتفال التوقيع على الإعلان السياسي الإطاري، الذي يقود المرحلة الانتقالية الجديدة بعد التوافق والتوصل إلى اتفاق حول بنود هذا الإعلان السياسي الإطاري والتوقيع النهائي عليه من جميع المكوِّنات السياسية والحزبية ولجان المقاومة والثوار، الذين يؤمنون بالتحوُّل المدني والحرية والانعتاق.
إنّ الكلمة التي ألقاها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد الأعلى لقوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، والتي أكد فيها موقفاً حازماً وواضحاً بدعم السلطة الانتقالية، بل وحماية التحوُّل الديموقراطي كالتزام شخصي ومؤسسي منه، وهذا يعني بوضوح أنّ قوات الدعم السريع وقيادتها ستكون الحامي الحقيقي للسلطة المدنية القادمة وللتحوُّل الديموقراطي في البلاد، وبشكل واضح لا يقبل الشك والتأويل، وهذا الموقف يتطلب من القوى السياسية وقوى الثورة الحيِّة التي تؤمن بالانتقال السياسي والتحوُّل الديموقراطي، أن تعمل على تمتين العلاقة بينها وبين حليف استراتيجي قوي يمتلك من القوة ما يستطيع به التأسيس لوطن ديموقراطي يؤمن بالديموقراطية وبالثورة وشعاراتها.
كان موقف القائد حميدتي واضحاً منذ خطابه الشهير لقواته قبل ثلاث سنوات، لبداية شرارة الثورة السودانية الشعبية العظيمة، والتي أبهرت كل شعوب العالم.
إنّ خطاب القائد “حميدتي” كان خطاباً جامعاً جاءت فيه مؤشرات ورسائل إيجابية كثيرة.
خاصة عندما قال القائد “حميدتي” نعتذر للشعب السوداني من عنف الدولة تجاهه وهذا مؤشر ممتاز يمكن أن يقود كل السودانيين في نهاية المطاف إلى الحقيقة والمصالحة المنشودة، وهي ليست ببعيدة من الشعب السوداني وأخلاقه وقيمه النبيلة.
إنّ القائد “حميدتي” وجه رسائل مهمة وعديدة من ضمنها، اهتمامه بقضايا النازحين وهي قضية حتى حركات الكفاح المسلح لا تتحدث عنها وتتوارى منها خجلاً، وقد عبر نائب رئيس مجلس السيادة عنها بوضوح وجعلها من أولويات السلطة المدنية القادمة.
وأكثر نقطة تجعل من خطاب نائب رئيس مجلس السيادة متفرِّداً هو اعتذاره عن عنف الدولة تجاه المجتمعات كما سبق ذكره وهو اعتذار لم يسبقه فيه أي مسؤول في الدولة السودانية منذ تأسيس الدولة الوطنية السودانية في العام 1956م، فقد عوَّدنا الساسة السودانيين دائماً وأبداً التهرُّب من المسؤولية، بالرغم من ارتكاب الحكومات السابقة على مر تاريخها لعنف تأذى منه المجتمع السوداني وقاد لتمزُّق وانفصال جزء عزيز من بلادنا وهو إقليم جنوب السودان.
إنّ نائب رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى لقوات الدعم السريع باعتذاره هذا أسس لممارسة سياسية جديدة وتفرَّد بموقف لم يسبقه عليه أحد من المسؤولين في الدولة على مر تاريخها.
أما النقطة الفارقة والجوهرية في خطاب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي هي الرسائل التي وجهها للشباب وللمجتمع الدولي وللنساء في بلادنا وهي رسائل بحاجة للتأمل واستيعابها والتعامل معها لتأسيس وطن ديموقراطي حر ولمرحلة جديدة تتجاوز فيها بلادنا مرارات الماضي والانطلاق لبناء وطن على أسس جديدة.
إنّ القائد الفريق أول محمد حمدان، يمكن الاعتماد عليه في حماية مكتسبات الثورة وهو يقود قوة عسكرية يمكنها أن تحمي التحوُّل الديموقراطي وتؤسس لأي تحوُّل حقيقي يقود إلى بناء الدولة السودانية بأسس جديدة تؤسس إلى مستقبل أفضل للحاضر والمستقبل.
يرى الخبراء والمحلِّلون السياسيون أنّ خطاب القائد الفريق أول محمد حمدان دقلو، جاء مرتباً وموزوناً وأرسل فيه رسائل لجهات عديدة داخلية وخارجية وهي رسائل مهمة جداً.
ويشير الخبراء في هذا الخصوص إلى إنّ القائد حميدتي وجَّه عدة رسائل إلى:-
1- خص التحية لأسر الشهداء وترحَّم عليهم، وهذا يعني انتقال قائد الدعم السريع إلى مرحلة جديدة.
2- الإشارة لأخطاء 25 أكتوبر 2021م ويعني الاعتراف والتصحيح.
3- الاعتراف عند ما بدر من عنف من الدولة تجاه الشعب وهذا يؤكد أن النائب متجه نحو العمل المدني الديموقراطي.
4- الحديث عن تأسيس جيش قومي ومهني له عدة دلالات.
5- النازحون والرحل وقضاياهم جوهرية وحقيقية.
6- قضية شرق السودان وأهميتها.
5- حث القوى السياسية الرافضة أن تلحق بالاتفاق.
5- رسالة إلى النساء هي رسالة للمرأة السودانية حواء السودان “أينما وجدت”.
كاتب وباحث سوداني