مروة علي تكتب: أصوات..
مروة علي تكتب: أصوات..
أنصت إلى هذه الأصوات، هذا صوت هروب أرنبٍ بري بين الحشائش، ووقع خُطىًّ مسرعة، قريبةٌ جداً قادمة من نهاية المطاف، وهنا صوت دُموع تقطُر على الوسادة، في حركةٍ سِريالية تتحكّم في عامل الزمن، والمسافة بين العين والوسادة، والسرعة التي يجب أن تَقطع فيها هذه المسافة؛ وليس بعيداً عن الوسادة صوت قطرات ندى تنزلق من الأوراق، لتستقر على بُقعةِ ماءً صغيرة تصنع دوائر، كُلما اتسعتْ أصبحتْ أقرب إلى التلاشي، قبل أن تُولد من جديد.
ويأتي مع النسيم صوتٌ يهمس بكلمات غير مفهومة، في الطرف الآخر من الأرض، كأنها رسالة وداع، وصوت موسيقى تتسلل من شباك ما، في الظلام، تتوغلُ في الغابة، لتسحر عيون الأفاعي، فيتسِع مجال الرؤية لديها؛ وصوت شاعرٍ يلقي قصائِدة على الهامش فتهشمت كلماتها، وعوقبت حروفها بالسجن مدى الحياة؛ وصوت سُقوط آخر كأسٍ في الحياة، يمتلك موسيقى خاصة، مثل وقع حروف اسم مألوف جداً.
أنصتوا إلى الثرثرة التي تدور في رُؤوس النائمين فهي تضِجُ بأصوات حادة عن تخصيب اليورانيوم والخطط البديلة لتحَمّل الحياة على هذا الكوكب، وطريقة صُنع الكحك؛ وصوت القمر وهو يهمس للشمس بأن تفيق من نومها، أنصت إلى صوت الأحلام، مثل صوت اصطكاك أسنان طفلٍ وحده في البرية في منام أُمه وهو بين ذراعيها؛ وصوت اختراق رَصاصةّ قاتلة لقلبك وهو في عِداد الموتى مسبقاً.
أرهف سمعك إلى ما تحكيه العيون عند الوداع، وصوت تلامس جسدين يُصليان صلاةِ عِشقٍ في خشوعٍ وتدبر، وصوت حركة النجوم في ليلة حزينة، وصوت انسياب الهواء بين أجراس المعابد، وإلى تغريد عصافير على شباك السجن، وصوت رقص نقري ينبعث من على البعد، وهنا صوت ضمائِرنا الذي لا يسمعه أحداً غيرنا، ونحن نظل نتجاهله؛ ويظل صوت الصمت أجمل هذه الأصوات على الإطلاق..