أنكروا انقلاب الإنقاذ: الإسلاميون.. ضغط نفسي أم هروب من الحقيقة؟
أنكروا انقلاب الإنقاذ: الإسلاميون.. ضغط نفسي أم هروب من الحقيقة؟
الخرطوم- صلاح مختار
حالة إنكار واسعة ضربت صفوف الإسلاميين العسكريين والمدنيين المتهمين في قضية انقلاب الإنقاذ. وهو ما شكَّل علامة استفهام كبيرة واستغراب للعدد من المراقبين الذين يجدون في موقفهم تطوراً جديداً حول ملف الإنقاذ وعلاقتهم بالإسلاميين. ولكن طرف آخر يرى أن الإنكار حالة طبيعية في المحاكم, لوجود قاعدة فقهية تقول: (البينة لمن ادعى واليمين لمن أنكر)، ولذلك للخروج من المأزق يلجأ الناس للقاعدة الفقهية حتى تبيان موقفهم.
لا يعرف شيئاً
إذا كان القيادي الإسلامي البارز د. نافع علي نافع أحمد، وهو المتهم الثاني أنكر معرفته بانقلاب 89م، وقال لدى استجوابه في محكمة انقلاب الإنقاذ 1989م، إنه لايعرف عنه شيئاً ولم يسمع به ولم يذكر أي شخص صلته به، منبِّهاً إلى أن الدليل على ذلك شهود الاتهام الذين مثلوا بالمحكمة والتي سعت هيئة الاتهام بوسعها وأكثر من ذلك لم يقولوا أي شئ ضده عن الانقلاب، مبيِّناً بأنه ورغم عدم علاقته بالانقلاب إلا أنه اعتقل من منزله في 19 أبريل 2019م، وأنه مكث بالحبس (عافية منهم كدا) ستة أشهر، دون تحقيق، منوِهاً إلى أن المنصب الذي تقلَّده عقب ثورة الإنقاذ هو نائب مدير جهاز الأمن وإلحاقه برئاسة الجمهورية .
حالة إرباك
حالة الإرباك التي أحدثها قيادات الإنقاذ الإسلاميين العسكريين والمدنيين بشأن صلتهم بالانقلاب, لم تكن الأولى من بين القيادات، حيث أنكر المتهم العاشر اللواء فيصل مدني مختار، خلال استجوابه بأنه لم يكن مخططاً أو مشاركاً أو منفذاً للانقلاب، مبيِّناً بأنه تفاجأ بإدارج اسمه ضمن أعضاء قيادة ثورة الإنقاذ الوطني آنذاك مما دعاه إلى اعتراضه على ذلك واقتحامه اجتماع لعدد من الضباط وقتها بالقيادة العامة على رأسهم الرئيس المعزول البشير، موضحاً بأنه وقتها قال للبشير: (ده شنو البتعمل فيهو ده).
تأثير الانفعال
كذلك تبرأ المتهم السادس القيادي السابق في نظام الإنقاذ اللواء معاش الطيب إبراهيم محمد خير، الشهير بالطيب سيخة، وقال إنه لم يشارك في انقلاب الإنقاذ لا تخطيطاً ولا تنفيذاً. وتراجع القيادي بالإنقاذ العميد يوسف عبد الفتاح عن أقواله المدوَّنة في يومية التحري قائلاً إنها لم تكن دقيقة وتحدث وقتها تحت تأثير الانفعال، لافتاً لعدم صحة ما فيها بشأن تسمية أشخاص لعبوا دوراً في الانقلاب. وأفاد أنه سمع بالانقلاب في اليوم الثاني على الرغم من وجوده في القيادة العامة للجيش ليلة تنفيذ الانقلاب.
وثيقة سفر
وأكد المتهم الرابع علي الحاج، عدم لعبه أي دور في الانقلاب وأشار لوجوده خارج البلاد خلال ذلك الوقت متنقلاً بين الولايات المتحدة وبريطانيا مشاركاً في نقاشات ذات صلة بقضية جنوب السودان. وعزز الحاج إفاداته بإبراز وثيقة السفر التي تؤكد تواريخ دخوله وخروجه من العواصم الخارجية قائلاً إنه عاد للبلاد بعد نحو ستة أشهر من الانقلاب.
قضية سياسية
ورغم أن القاضي السابق والقانوني بارود صندل، في رأيه الشخصي يرى أن قضية متهمي انقلاب الإنقاذ قضية سياسية, إلا أنه قال لـ(الصيحة): إن المتهمين المدنيين د. نافع أو علي الحاج، دعك عن العسكريين لم يقولوا كانوا هم أمناء للجبهة الإسلامية القومية ولم ينكروا علاقتهم بالإنقاذ باعتبار التعامل مع القضية باعتبار الإنقاذ شخصية اعتبارية, وأشار إلى أن الاتهام يوجه للشخص الذي دبَّر أو خطَّط أو حرَّض وعمل الانقلاب، واعتبر أن القضية في البداية خطأ, اتهام في مواجهة شخص غير موجود فتحت في مواجهته.
الوضع يختلف
وقال صندل: أنا لا أعرف في الحقيقة لعلي الحاج أي دور في انقلاب الإنقاذ, ورأى أن القضية لأنها تخاطب الشخص في روحه ولا تخاطب حزب أو جمعية وإنما الشخص في روحه, وأكد أن الوضع يختلف عند العسكريين الذين يمكنهم القول بأنهم قاموا بالانقلاب تقديراً لظروف البلد التي تستدعي ذلك, وشدَّد بأن ذلك رأيه الشخصي وليس محامي العسكريين. ولكنه قال: يمكن أن يقولوا كذلك أمام المحكمة. مشيراً إلى القاعدة القانونية التي تقول (البينة على المدعي واليمين لمن أنكر) وتوقع خروج المدنيين من المتهمين خلال جلسة أو جلستين، مبيِّناً أن القضية سوف تتصفى إلى ثلاثة أو أربعة من المتهمين العسكريين.
نفسي يا نفسي
ولكن المحلِّل السياسي د. أبوبكر آدم، لديه رأي مختلف، مبيِّنا أن الإسلاميين داخل السجون حدثت بينهم كثير من النقاش والمواجهات الصريحة وحالة استرجاع للتجربة، وبالتالي المحكمة هي انعكاس لواقع بدأ داخل السجن ومحاولة للإنكار والتبرؤ من العديد من الأحداث, وكأنما يريد كل واحد منهم مخارجة نفسه دون النظر إلى التيار أو التنظيم الذي كان ينتمي إليه. وأشار في ذلك إلى المعلومات الخطيرة التي بدأت تظهر في جلسات المحكمة من بعض منسوبي الإنقاذ ومحاولة إنكار الكثير منهم للتهم الموجهة ضده, ورأى لـ(الصيحة) أن حالة الإنكار شيء طبيعي في ظل الضغط النفسي وطول فترة الحبس ومحاولة الصاق التهم وكل نفس يقول يانفسي يا نفسي لذلك ليس بمستغرب إنكار التهم بعلاقتهم بانقلاب الإنقاذ. رغم أن الظروف السياسية قد تختلف من وقت لآخر، ولكن يبدو أن حالة اليأس الذي سيطرت على بعض المعتقلين وطول الانتظار كان سبباً، ورأى حالة الإنكار. وأكد أن الظرف الذي يمر به المعتقل ربما تدفعه للبحث عن أقرب الوسائل التي تدفعه إلى خارج الأسوار. وبالتالي الاعترافات التي دوِّنت في المحكمة تكشف حقيقة العلاقة التنظيمية التي تربط أعضاء الإنقاذ المدنيين والعسكريين. مبيِّناً أن القصة فصولها كثيرة وأن الاتهام لايعني إثبات التهمة إلا في ظل وجود دليل دامغ بذلك.
يقول المحامي أحمد حسين: إن معظم الذين استجوبتهم المحكمة كانوا قد تباهوا عبر وسائل الإعلام عن أدوارهم في انقلاب الإنقاذ، وذكر (الصيحة) إن ذاكرة السودانيين لن تنسى تلك الاعترافات التي أدلوا بها وكيف أنهم كأبطال نجحوا في ثورة الإنقاذ كما سموها.
وأوضح أن إنكارهم لن يفيد في سير المحاكمة، لأن هنالك أدلة قوية تؤكد أنهم من خطط وشارك ونفذ انقلاب الإنقاذ عام 1989 م.