إلى معالي النائب العام!
قَبل نحوٍ من أسبوعين كتبنا مقالاً تحت عنوان “مُحاسبة جنائيّة وسياسيّة”، تناولنا فيه ملف الشهداء والجرحى والمُتأثِّرين، وقلنا إنّه ملف لا يقبل المُكابرة والمُزايدة والتّسييس، وإنّ التحقيق فيه ينبغي أن يمضي بقُوةٍ ودِقّةٍ وشُمُولٍ، توقيف المُتّهمين الذين توفّرت في مُواجهتهم بيِّنات وصُورٍ وشواهد وشهادات، وكذلك المُتّمهين المُحتملين حسب المنطق الجنائي المعروف، وأشرنا لأهمية أن يمتد التّحقيق ليشمل المُحَرّضين وأولئك الذين دفعوا بالضحايا إلى أتون المَحَارِق دُون مسؤولية وحسابات موضوعية.
قلنا إنّه لو كان عدد الشهداء مائة أو مائتين، أقل أو أكثر، من النظاميين أو المدنيين، من المُشاركين في الأحداث أو الأبرياء الذين ساقتهم الأقدار سوْقاً إلى حتفهم أو جاءتهم (طلقة طائشة) في بيوتهم وأماكن عملهم، فإنّ النتيجة واحدة، أنّنا فقدنا أرواحاً غاليةً، فقدها الوطن وفقدها ذووها وأحبّتها واحترقت أكبادهم وانفطرت ألماً وحُزناً، ولذلك لا بُدّ من أن تكون الإجراءات الجنائية صَارمةً وشَاملةً وعَادلةً، مُراعاةً للحقّيْن العام والخاص وكلاهما مُهمٌ.
جاء في الأخبار أنّ السيد النائب العام تَسَلّم تقرير لجنة التّحقيق في أحداث فَضّ الاعتصام، ولم يتم الإفصاح رسمياً عن خلاصات التقرير وما انتهى إليه، وليس من المَصلحة العامّة أن نتعجّل و”نُشوِّش” بل نترك النيابة العامّة تفحص وتدرس التقرير بِهُدوءٍ وتَركيزٍ ثم تتّخذ الإجراءات اللازمة بكامل الجدية والشّفافيّة، وكُنّا نتمنّى أن لو شمل التحقيق كل الأحداث منذ بدايتها، حيث أنّ الوقائع مُتداخلة وربما لا تنفصل موضوعياً عن بعضها البعض.
ملف فَضّ الاعتصام يستحق هذا الاهتمام، لكن ماذا عن تخريب ونهب مُؤسّسات وجامعات ومُمتلكات عَامّة وخَاصّة؟ ماذا عن تخريب خط السكة حديد وتخريب الطُّرق وأعمدة الإنارة والاتّصالات واللافتات الدعائية المملوكة لشركات ومُواطنين؟ بل ماذا عن تهشيم وتدمير وحرق مَقَار قوات نظامية والاعتداء عَلَى منسوبيها ومُمتلكاتها؟ ماذا عن المَتَاريس وضحاياها وبِخَاصّة المَرضى والمُواطنين أصحاب المصالح التي تَعَطّلَت؟ مُؤكّد أنّ كل ذلك يلزم التحقيق الجاد فيه ومُحاسبة المَسؤولين عنه بذات الصّرامة.
العَدَالَة قِيمةٌ لا تتجزأ ، وكل شهيدٍ – أيّاً كَانت مُلابسات استشهاده الظّرفيّة والمَكانيّة والزمانيّة – فهو مُواطنٌ في الأساس، له أُسرته وعشيرته، ومن حقّهم الاطمئنان عَلَى أنّ السُّلطات العدلية سَعت في حَقهم بعيداً عن أيِّ انتقائيةٍ وتسييسٍ، وربّما كان واجباً على السيد النائب العام إعلان المُواطنين المُتضرِّرين كَافّة للتقدم بشكاويهم وإثبات أضرارهم المعنوية والمادية أمام النيابة، بل ولتقديم شَهاداتهم وما قد يملكون من أدِلّةٍ وبَيِّناتٍ.
التّعافي الوطني مَطلوبٌ خلال المَرحلة المُقبلة، والعَدَالة تُمثِّل جَوهر ذلك التّعافي ورُوحه، ولَعلّ ذلك مَا يَجعل مسؤولية النيابة العامّة مَفصلية ومن بعدها السُّلطة القضائية صاحبة القول الخاتم، ثُمّ لصاحب الحَق الخَاص أن يعفو من بعد، طلباً لما عند الله.
التحقيق سيدي النائب العام يجب أن يكون دَقيقاً وشَاملاً حتى لو استدعى الأمر فتحه من جديدٍ، تَحقيقاً مُتكاملاً يكون طَريقنا السالك إلى الحل والتّراضي والتّعافي، كَفَانَا دماءً وجراحات.
مَرحباً برسائلكم القصيرة (SMS) على الرقم 0912392489