الاتفاق السياسي الإطاري.. مكاسب منتظرة
الاتفاق السياسي الإطاري.. مكاسب منتظرة
تقرير- مريم أبَّشر
بعد أكثر من عام على انقلاب إجراءات اكتوبر l2021 وفقدان البلاد للعديد من شبابها ما بين قتيل وجريح ومعتقل، توافقت أطراف الأزمة المكوِّن العسكري والمدني بما فيها قوى الحرية والتغيير والقوى المؤمنة بالانتقال،وبمساندة ودفع الآلية الثلاثية والرباعية، وتوصلت الأطراف إلى مشتركات حول قضايا الثورة والانتقال وتم التوقيع امس بقاعة البقعة بالقصر الجمهوري على الاتفاق السياسي الاطاري .
بارقة أمل
كثير من المراقبين علقوا آمالاً عريضة على الاتفاق الذي وقع امس رغم معارضه قوى التوافق الوطني والأخرى حليفة النظام السابق له ويرون أنه بالتوقيع لم يعد الضوء في آخر النفق كما يقال، وإنما لاح في الأفق ضوء في منتصف النفق وأمل عريض في إخراج هذا الوطن الجريح من النفق المظلم الذي شل حركته وأقعده عن اللحاق بالأمم بعد ثورة عظيمة ملهمة أبهرت العالم وسارع المجتمع الدولي بتقديم المساعدات والتسهيلات لها بعد أن أخرجت ذات الثورة السودان من العزلة الدوليه وأعادته لحضن المجتمع الدولي والإقليم الذي أعلن منذ الوهلة الأولى رفضه للانقلاب وأعلن دعمه للتحوُّل الديموقراطي المدني في السودان و ذلك بتعليق المساعدات الاقتصادية و المالية والتنموية والإنسانية كافة. كما علَّق مسار إعفاء الديون في إطار مبادرة الهيبيك ونادي باريس، فضلاً عن الجمود في العلاقات الثنائية بين السودان وأهم دول المعسكر الغربي وتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي .
ويضيف المراقبون إن إطالة أمد الأزمة والقطيعة مع المجتمع الدولي، قد أعاق كثيراً من إنفاذ اتفاقية سلام جوبا، سيما و أن إنزال الاتفاقية على أرض الواقع يحتاج إلى دعم ملياري دولي، وبصفة خاصة المحور الخاص بالترتيبات الأمنية وعودة النازحين واللاجئين، وإعادة إعمار ما خرَّبته الحرب الأهلية في دارفور والمنطقتين .
دعم مرهون
أي خطوة إيجابية من المجتمع الدولي تجاه السودان ستتوقف مخرجات الاتفاق الاطاي، كما يرى الخبير في الشأن الاقتصادي د.محمد الناير، في إفادته لـ(الصيحة) ويضيف إذا حدث توافق كامل واستقرار سياسي واتفاق يشمل كل القوى والمكوِّنات السياسية فإن ذلك من شأنه دفع الأطراف الدولية للدعم، وزاد: يفترض أن تكون هنالك حكومة كفاءات مدنية مستقلة تدير ما تبقى من الفترة الانتقالية والإعداد لإجراء انتخابات حرة نزيهة يشهد عليها المجتمع الدولي ومجلس تشريعي تمثل فيه كل الكيانات و القوى السياسية، وأضاف: هنالك أكثر (١٠٠) حزب، وأكثر من مائة حركة مسلحة لا يمكن أن يتم تمثيلها في حكومة ذات مهام محددة، وشدَّد على أهمية أن تكون الحكومة من كفاءات مستقلة وأن تتاح للقوى السياسية فرصة المشاركة في المجلس التشريعي، وأكد أن أي دعم دولي يتوقف على نوع الاتفاق المرتقب.
ضوء في المنتصف
أما الخبير الدبلوماسي السفير الصادق المقلي يرى بشأن مكتسبات اتفاق امس لا شك أنه من أهم مكاسب هذه العملية السياسية الجارية إنهاء الانقلاب من ثم عودة السودان مرة أخرى إلى حضن المجتمع الدولي والإقليمي، ويضيف: سيكون أول قرار بعد التوقيع النهائي وتشكيل هياكل السلطة خاصة السيادي والتنفيذي هو رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ومن ثم عودة مسار التحوُّل الديموقراطي الذي يشكِّل الشرط الرئيس الذي يضعه المجتمع الدولي لاستئناف المساعدات الإنسانية و الاقتصادية والتنموية الدولية وبصفة خاصة رفع تعليق المساعدات والمنح والقروض التي كانت في طريقها إلى السودان قبل انقلاب ٢٥ أكتوبر. يرى المقلي أن الأهم من ذلك كله استئناف مسار إعفاء الديون في إطار مبادرة الهيبيك ونادي باريس الذي علقته مجموعة البنك الدولي إثر الانقلاب، وكما أن التوقيع النهائي للاتفاق بين المكوِّن العسكري والقوى السياسية والثورية والمدنية المناوئة للانقلاب وقَوى الانتقال سيمهد الطريق أمام تطبيع كامل العلاقات الثنائية بين البلدين السودان وأمريكا والاتحاد الأوروبي وتهيئة الأجواء لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في السودان، وعودة العلاقات الطبيعية بين السودان والمصارف الإسلامية والدولية و الإقليمية والخليجية، يرى أن أول الغيث سيكوت دخول صندوق التنمية السعودي بمبلغ (٣) مليارات دولار، ضمن التعهد الذي التزم به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتخصيص صندوق التنمية السعودية لأكثر من عشرين ملياراً، للاستثمار في عدد من الدول العربية من بينها السودان، فضلاً عن إعادة العلاقة بين السودان وبنك التنمية الأفريقي الذي ساهمت دول أوروبية في تسديد (٤٠٠) مليون دولار، ديون البنك علي السودان في عهد حكومة د. حمدوك وهي أهم مكتسبات ثورة ديسمبر، سيما وأن حكومة د. حمدوك قد وصلت في وقت قياسي إلى ما تسمى بنقطة القرار DECISION POINT : الأمر الذي مهَّد الطريق لإعفاء أكثر من (١٤) مليار دولار، وأنه بوصول السودان إلى نقطة الإنجاز ACHIEVINMENT POINT هناك احتمال بإعفاء كامل لديون السودان البالغة (٦٠) مليار دولار، أو جله، بيد أن انقلاب ٢٥ أكتوبر، قد قوَّض كل مكتسبات الثورة .
ويشير كذلك إلى أن أهم مردود التوقيع النهائي على العميلة السلمية، إن تتم استعادة العون الأجنبي من المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف، قبل انقضاء المهلة المضروبة لتصفير عداد انسياب هذه المساعدات والعودة إلى مربع الصفر، بل هناك تهديد بتحويل هذه المكتسبات في حالة استمرار الوضع السياسي الراهن على ما هو عليه وهو يعد كارثة سياسية واقتصادية. و اعتبر المقلي ما لاح في الأفق من تباشير بقرب التوصل إلى حل لهذه الأزمة الوجودية بفضل التوقيع على الاتفاق الإطاري، قد وفر لحد كبير ضوءاً في منتصف النفق وليس فقط في مؤخرته.
جسر العبور
الاتفاق يلبي أشواق التيار الأوسع في الوقت الراهن، لأنه يدخل في المعيشة والأمن ويدخل في الخدمات والحياة الاجتماعية الطبيعية هذا ما يقرأه تحليلاً للمآلات والرؤية الآنية للاتفاق الأستاذ والمحلِّل السياسي عبد الله آدم خاطر، ويضيف أن التيار العام سيدعم الاتفاق والأهم من ذلك بحسب خاطر هو أن الاتفاق يعني قيام حكومة تعتمد عليها مؤسسات المجتمع الدولي من أجل مواصلة الإنتاج، أضف إلى ذلك فإن قيام حكومة يعني بالنسبة للسودان والمجتمع الدولي تقليل التوتر السياسي وذلك عبر زيادة التفاهمات متابعة الشأن الثوري مع المؤسسات السياسية والأحزاب الأخرى بالداخل.
ويرى أن وجود معارضه شئ ضروري باعتبار أن أي مجتمع ديموقراطي توجد فيه تيارات ورؤى متضاربة من أجل تمكين الخبرة الديموقراطية.
أما فيما يلي المكاسب الخارجية أشار الأكاديمي خاطر إلى أن المجتمع الدولي ينظر للسودان باعتباره فرصة ومدخل لاستقرار في الإقليم وفرصة وسانحة مهمة للتواصل من أجل بناء علاقات بين القارات باعتبار أن السودان يمثل مدخلاً بالنسبة للدول الغربية والشرقية -أيضاً
ويضيف خاطر أن السودان بالنسبة للمجتمع الدولي دولة مهمة، ولفت إلى أن المجتمع الدولي -حالياً- يهمه استقرار السودان، لأن الاستقرار هو الأساس للعلاقات الدولية، وفضلاً عن أنه يشكِّل ضمانة للاستثمار الدولي .وزاد: حتى الآن السودان غير محتاج ولم تحدث فيه مجاعة، فقد يحتاج لاستقرار سياسي يشكِّل ضمانة للتعاون الدولي وهذا الاستقرار السياسي يتوقف على قيام حكومة مدنية ديموقراطية .
أما فيما يلي استئناف المساعدات الإنسانية التي تجمَّدت بعد الانقلاب يقول خاطر: الجيِّد أن الاتفاق سيتم التوقيع عليه قبل نهاية العام الحالي، وهذا يعني أن كثير من التعهدات الدولية والمساعدات بقليل من التحريك يمكن أن تتم مراجعتها وفك تجميدها خاصة برنامج ثمرات وغيرها من الأشياء الأساسية، غير أن عبد الله آدم خاطر، شدَّد على أن الاتفاق هو الأساس لبناء الدولة المدنية الفيدرالية الديموقراطية التي نادت بها الثورة وتمثل الضمانة للعلاقات الدولية.