بعيون الخبراء والمراقبين: (الاتفاق الإطاري).. قراءة وتحليل لخطابي البرهان وحميدتي
بعيون الخبراء والمراقبين: (الاتفاق الإطاري).. قراءة وتحليل لخطابي البرهان وحميدتي
تقرير- صبري جبور
أبدى كثير من المراقبين والمحللين السياسيين تخوُّفهم من مغبة عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاق الإطاري الموقع بين الأطراف المدنية والعسكريين بالقصر الجمهوري يوم (الاثنين) الماضي، خاصة في ظل رفض عدد من القوى المدنية والحركات المسلحة، لهذا الاتفاق، باعتبار أنه لا يلبي أهداف الثورة وتطلعات الشعب في التغيير المنشود. وأكد مراقبون أن ثبات الاتفاق مرهون بالالتزام الفعلي بتنفيذه خلال الأيام المقبلة.. التسوية التي أفضت إلى هذا الاتفاق، ربما يدخل حيز التنفيذ بعد دخول عناصر جديدة والتوافق بشأن جداول التنفيذ، حينها تضع أطرافها أمام اختبار جديد في إثبات حسن النوايا.. وفي هذا الإطار، وضعت (الصيحة) أمام طاولة الخبراء والمراقبين في الشأن السياسي، قراءة تحليلية بشأن خطاب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، في حفل التوقيع، حيث أشارت تلك الخطابات إلى رسائل مهمة بشأن التسوية السياسية، بجانب كيفية الوصول إلى حلول تنهي الأزمة السياسية الحالية بالبلاد.
قضايا وطنية
رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، خلال مخاطبته حفل التوقيع على الاتفاق الإطاري، دعا مجموعات المساعدة والتيسير إقليمية ودولية إلى استمرار دعمهم ومساندتهم للانتقال الذي قال إنّه يحتاج إلى إكمال رفع العقوبات وإزالة آثارها، رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، الإيفاء بالدعم الاقتصادي والتطبيع من المؤسسات المالية العالمية، دعم مطلوبات الانتقـــــال واستكمالها خاصة (اتفاقية السلام ومايترتب عليها) ودفع جهود السلام مع الحلو وعبد الواحد.
وأوضح البرهان أنّ الموافقة على هذا الاتّفاق لا يعني اتّفاق مع طرفٍ سياسي أو فئةٍ أو كتلةٍ معيّنة وإنّما هو توافق على قضايا وطنية يجب أنّ يتمّ وضع الحلــــول لها بمشاركة واسعة من القوى المدنية وأصحاب المصلحة.
وأضاف (بنية الوصول لمخرجات تنهي حالة الصراع والتشاكس القائم بين القوى المدنية المختلفة فيما بينها والقوى العسكرية حتى نعبِّد الطريق نحـو التحوُّل الديموقراطي الحقيقي).
الانضمام في أي وقت
رئيس مجلس السيادة، شدَّد على أنّ السلطة المدنية يستوجب عليها احترام المهنية العسكرية ولا تتدّخل في الشؤون العسكرية الفنية وتترك للقوات المسلحة مسؤولية تحديد التفاصيل والأعمال المطلوبة لإنفاذ سياسات وغايات الأمـن الوطني.
وأشار إلى أنّه لا حجر على قوى الثورة من الحرية والتغيير أو التنظيمات الثورية كما كانت في أبريل 2019م، أو القوى الأخرى المتوافق عليها مـن الانضمام إلى هذا الإعلان في أي وقت.
وأمنّ على الالتزام بمعالجة القضايا المطروحة في الاتّفاق بالسرعة اللازمة، والإيفاء بمطالب الشعب السوداني في تحقيق الحرية والسلام والعدالـة ويكون ذلـك وفقـاً للقانون، والتأكّد على خروج المؤسسة العسكرية من العملية السياسية نهائياً يجب أن يصاحبه خروج القوى السياسية من المشاركة في حكومة الفترة الانتقالية استجابةً لمطلب الثوار على أنّ تكون الحكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة.
حماية الفترة الانتقالية
يرى الخبير والمحلِّل السياسي أحمد عابدين، أن خطابي البرهان وحميدتي أمس الأول، في مجملهما الالتزام بإنهاء الفترة الانتقالية بتوافق وصولاً للانتخابات وفيها نأي مبطن بقواتهم من التشاكس السياسي وأنهما في ذات المحطة القديمة (توافق) القوى السياسية وهو شرك أوقعت القوى المدنية نفسها فيه من حيث لا تدري فتوافق شامل من المستحيلات وهنا تحضر (الجرجرة) بحسب تعبيره.
ولكن في ذات الوقت في المكوِّن العسكري ومن خلال خطاب رئيس مجلس السيادة ونائبه فإنهم نجحوا في جر المجتمع الدولي لأهدافهم، فاليوم أصبحت الخرطوم محل ترحيب من ذات العواصم التي كانت حاضرة في الأزمة.
وقال عابدين: إن حميدتي تحدث بصورة أوضح عن الالتزام بحماية الفترة الانتقالية والتحوُّل الديموقراطي وأهم نقطة ذكرها هي الاعتذار عن عنف الدولة التاريخي ومناشدة الرافضين تعالوا وقعوا وهذا يمثل نقلة جوهرية في خطاب المؤسسة العسكرية.
معادلة قاسية
وأشار إلى أن البرهان كان أيضاً، ولكن في نقطة أخطر حين ماثل بين الذهاب للثكنات والذهاب للانتخابات وهي في نظري معادلة قاسية لجزء كبير من القوى الموقعة والآملة في سلطة ومحاصصات، ثم أنه كان أوضح حين ذكر أن لبنات النظام الديموقراطي الذي تؤول إليه المؤسسة العسكرية بكلياتها هو من نضع أولى عتباته الآن حتى التحوُّل الديموقراطي، وقال: “بالتالي فإني أظن هذين الخطابين حتى يتم تفسيرهم سينتهي الأمر بتشاكس جديد مالم تنجز القوى المدنية حساباتها بالتوافق العريض”.
اعتراف واعتذار
وفي حفل التوقيع، أيضاً، قال نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، إنّ ما تمّ التوقيع عليه، يعدّ خطوة أوليّة وأساسية لمعالجة الأخطاء السياسية، ومعالجة اختلالات الدولة، وبناء دولة العدالة الاجتماعية والحكم الراشد والسلام المستدام والديموقراطية.
وأقرّ حميدتي بالاعتراف والاعتذار عن عنف وأخطاء الدولة تّجاه المجتمعات عبر مختلف الحقب التاريخية.وأشار إلى أنّ هذا العنف أهدر فرص البناء الوطني وتحقيق السلام والتنمية والوحدة والاستفادة من التنوع.
وأردف: (هنا لا بدّ من التأكّيد على أهمية إقرار عمليات العدالة والعدالة الانتقالية، لردّ المظالم وشفاء الجراح وبناء مجتمع متعافي ومتسامح).
إصلاحات عميقة
وشدّد دقلو على انسحاب المؤسسة العسكرية من السياسة، معتبرًا ذلك ضروري لإقامة نظام ديموقراطي مستدام. وتابع: (هذا يستوجب -أيضاً- التزام القوى والأحزاب السياسية، بالابتعاد عن استخدام المؤسسة العسكرية للوصول للسلطة، كما حدث عبر التاريخ).
ومضى (ذلك يتطلّب بناء جيش قومي، ومهني، ومستقل عن السياسة وإجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية تؤدي إلى جيش واحد، يعكس تنوع السودان، ويحمي النظام الديموقراطي).
وأمَّن حميدتي على أنّ استكمال واستقرار النظام الديموقراطي يتطلّب استكمال وبناء السلام في كل بقاع السودان.
وأردف: (لذلك يجب أن تكون أولويات الحكومة القادمة هي تنفيذ اتفاقية جوبا، واستكمال السلام مع الحركات غير الموقعة، والعمل على عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم الأصلية، ومعالجة مشاكل الأرض، وقضايا الرُحّل).
وأضاف: (استكمال واستقرار الديموقراطية يتطلب وضع أهمية خاصة لمعالجة قضية شرق السودان، وهي مرتبطة باختلالات في التنمية والمشاركة السياسية، وهذه المعالجة يجب أن تكون بمشاركة كل المكوِّنات الاجتماعية والسياسية في الشرق).
رسالة في بريد هؤلاء
ويقول الباحث في الشأن السياسي الطيب عبدالرحمن الفاضل، إن المحك الحقيقي يكمن في إنزال ما يقال في خطابي رئيس مجلس السيادة ونائبه فيها على أرض الواقع.
وأوضح الطيب في إفادة لـ(الصيحة) أمس، كلا الخطابين أرسلتا رسائل للمكوِّنات السياسية الموافقة والمعارضة وللخارج خاصة دول الرباعية التي ساهمة مساهمة واضحة في هذا الاتفاق.
وأشار إلى أن خطاب القائد العام أرسل رسالة مباشرة أن الاتفاق لا يعني إغلاقه ولا يمكن لجهة واحدة السيطرة أو احتكاره وهو مفتوح للآخرين وهذا ضمان سيعمل على لحاق بعض الأحزاب والمكوِّنات للحلاق، كما أرسل رسالة في بريد الأحزاب أن عدم اتفاقكم هو الذي أخَّر هذه الخطوات التي كان يجب أن تكون أشمل وأكمل من ذلك.وأكد حيادية الجيش والتزامه بالقانون إذا التزم المدنيون بذلك.. وبصورة واضحة قال: على المدنيين احترام المهنية العسكرية وتركها القيام بواجبها.
ولفت عبدالرحمن، كما حوى الخطاب على أربع مؤكدات في حال إيفاء المكوِّنات المدنية بذلك وهي تعتبر ضامنة للاتفاق وإلا عليها تحمل المسؤولية في تدخل الجيش في الحياة السياسة في حال عدم التوافق بين المكوِّنات السياسية.
وقال الطيب: أما خطاب قائد الدعم السريع أرسل خمس رسائل غازل فيها لجان المقاومة التي فقدت جزء من الحاضنة السياسية وفي رسالة للنازحين كأنه يريد عتاب الحركات في عدم الإيفاء بمتطلبات اتفاقية السلام، وبين الخطابين تلاق وتباعد تلاق في عدد من النقاط وتباعد في الإشارات التي وردت وإرسال رسائل مبطنة.
التحوُّل المدني
في السياق قال المحلِّل السياسي محمد علي عثمان، في إفادة لـ(الصيحة) إن هنالك تناقضات في الخطابين، مشيراً إلى أن البرهان رحَّب بالاتفاق في حين كانت القاعة تضج بهتاف مدنية والإطراء الكبير بأن الاتفاق سوف يكون لبنة وأساس للتحوُّل المدني الحقيقي.. وأشار إلى أنه تحوَّل للشرط الأساسي لصوت الشارع العسكر للثكنات والأحزاب للانتخابات في إشارة إلى حكومة الكفاءات.
ولفت محمد علي، إلى أن حميدتي تحدث عن أخطاء الفترة الانتقالية وأظهر دعماً كبيراً للاتفاق وتعهد بحماية متبقي الفترة الانتقالية والاعتذار على خطأ انقلاب 25 أكتوبر.
وأوضح عثمان تفاصيل نقاط الثوابت الوطنية المتفق عليها وعند تنقيحها بقية الوصول بها لدستور انتقالي تصبح هي المحك الحقيقي والخشية من أن تكون هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
مطالب وعقبات
ويرى المحلِّل السياسي الفاتح محجوب، في إفادة لـ(الصيحة) أن كلمة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، جاءت محذِّرة من يحاولون استغلال الجيش لتنفيذ أجندة انقلابية وحزبية، وطالب الأحزاب السياسية السودانية بالاستعداد للانتخابات في إشارة إلى أن عدداً مقدراً من القوى السياسية السودانية غير راغب في الانتخابات.
بينما يقول الفاتح: إن خطاب الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) جاء مغازلاً لقوى الحرية والتغيير ولقوى الثورة ولجان المقاومة، مؤكداً على انسحاب العسكر من العملية السياسية، مشدِّداً على أهمية دمج القوات النظامية وغيرها في جيش واحد، لكنه طالب بضرورة مراعاة التنوع عند بناء الجيش الموحَّد وبذلك يكون قد نفى رفضه لوحدة القوات النظامية علناً، لكنه بمطالبته إصلاح الجيش الموحَّد جعله يعكس التنوع السوداني ليكون عملياً قد وضع عقبات عديدة أمام مشروع دمح الدعم السريع في الجيش السوداني.