عبد الله مسار يكتب: توقيع الاتفاق الإطاري (٢)
قلنا في مقالنا توقيع الاتفاق الإطاري (١)، إنّ الاتفاق في النصوص والمضامين لا بأس به، وقلنا إنّ الاتفاق مشروع خارجي أُلبس ثوب الداخل، وقلنا إنّه حصيلة دفع الرباعية (أمريكا وإنجلترا والإمارات والسعودية) والآلية الثلاثية اثنين ناقص واحد، هذه الخماسية هي التي دفعت بهذا الاتفاق إلى حيِّز التنفيذ، وقلنا إنّ البرهان وحميدتي تخارجا من المشهد وهُما المُستفيدان من ذلك، حيث إنّهما كسبا بعضاً من المجتمع الدولي أي الأربعة والأمم المتحدة، وكذلك ضَمنا عدم المُساءلة من أي موقف سابق، وكذلك ضَمنا وحدة قواتهما وأعطاهما فرصة للرقابة والمتابعة دون مسؤولية مباشرة والتدخل حال عدم نجاح هذا الاتفاق الإطاري.
الملاحظة المهمة إنّ القوى السياسية التي وقّعت افراداً دون تجمع تنظيمي وهذا أفقد هذه القِوى القليلة قُوتها وخاصّةًّ الحرية والتغيير المركزي التي خَرج منها البعث والناصري وصارت شذر مذر.
هذا الاتّفاق أُبعد عنه كُل اليسار وكل قوى الثورة حتى المُشاركين في الاعتصام حتى سقوط الإنقاذ وكل التيار الإسلامي العريض وكل القوى السياسية الأخرى يمين ويسار ووسط، وكل القوى الأهلية والمجتمعية، وهو اتفاق مخارجة مؤقتة من قِبل الأخوين البرهان وحميدتي دون أن يحقق الغرض وهو التحول الديمقراطي والحكم المدني.
الأخطر في الأمر وهو ابتعاد كل من مصر وقطر وتركيا والصين وروسيا، وواضحٌ أنّ هذا المعسكر خارج هذا الاتفاق، ولهذه الأطراف مصالح كبيرة في السودان وهي الأقرب الى مزاج الشعب السوداني لمواقفهم مع السودان إبان ظروف مختلفة. فمصر وقطر أقرب الى السودان ولهما دورٌ كبيرٌ في حياة المواطن السوداني، حيث تاريخ قديم ومواقف مشتركة منذ قبل الاستقلال وحتى الآن.
إذن هذا الاتفاق الإطاري به عدد من التحفظات، أهمها قلة وزن المُوقِّعين وجماهيريتهم، وكذلك التدخُّل الخارجي العنيف فيه، فهو مشروع خارجي صناعةً وفكراً وعملاً، ووضع الدولة السودانية تحت وصاية من بعض الدول، وكذلك إبعاد دول لها علاقات وطيدة مع السودان، وهو محل صراع الآن بين دول المنطقة والعالم.
إذن الاتفاق الإطاري يحتاج لمزيد من العمل ليكون اتفاقاً مقبولاً، وكذلك يحتاج لتشاور عميق حول الاتفاق النهائي حتى الوصول إلى وفاق وطني يضمن مشاركة الكل، وبصفة خاصة الثوار والقوى السياسية والأهلية والمجتمعية والمُوقِّعين على السلام وتحويل الاتفاق الى مشروع وطني صناعة سودانية وليس مشروعاً أجنبياً صناعة أمريكا وأخواتها والإمارات.
هذا الاتفاق بشكله الحالي لن يُكتب له النجاح، ولن يعيش ولم يُقاوم من الشعب السوداني، لأنّ في داخله عوامل موته، خاصة وأنّ المشاركين صاروا آحاداً دون تجمعات وهذا دليل صراع قبل الوصول الى مرحلة التنفيذ.
الرابح من هذا الاتفاق البرهان وحميدتي، والرابح الأكبر السودان الذي ستعيد فيه القوى السياسية والمجتمعية والأهلية وأصدقاء السودان مواقفهم، وتستعدل الأمر ليكون القطار على قضيب الديمقراطية والانتخابات وإبعاد الاستعمار الحديث، ومعرفة العدو من الصديق.
(وقديماً قِيل في المثل الدارجي الحلة إذا في العجوز بتموت).