التأمين الصحي: متوالية الانهيار.. من يقف وراءها؟ (1)
التأمين الصحي: متوالية الانهيار.. من يقف وراءها؟ (1)
تحقيق- أم بلة النور
يعتبر التأمين الصحي من الأنظمة العالمية التي تتبناها الدول، لتأسيس نظام اجتماعي وصحي للمواطنين، إذ أنه يعمل على معاونة المجتمع على مجابهة تكلفة المخاطر المرضية، ودرجت حكومة السودان على سن قانون خاص للتأمين الصحي، حيث أصدرت أول قانون في العام 1994م كأحد المعالجات الاقتصادية بعد فشل تجربة العلاج الاقتصادي، جاء ذلك القانون لحل مشكلة العلاج، ليتم تدشين المشروع بولاية سنار في العام 1995م، وانطلق في بقية الولايات في العام 2003م، وكان يعمل بنظام الاستقطاع الشهري بقيمة (4%) من الرواتب المنتظمة، ويقدَّم مجاناً بدعم كامل من ديوان الزكاة الاتحادي للشرائح الضعيفة وأصحاب الدخل المحدود من الأعمال الحرة، وتمت التغطية الشاملة في العام 2010م لكل أنحاء السودان، إلا أن أعمال وخدمات الصندوف أصبحت في تراجع مستمر خلال الأربعة أعوام الماضية، حيث تدهورت خدمة التأمين الصحي وخرجت أدوية كثيرة عن مظلته وأصبح غير مجدي بالنسبة للمشتركين فيه.
مواطنون: انعدام الخدمات وتوقف عمليات التجديد والاستخراج للبطاقة العلاجية
ضعف الخدمات
كان التأمين الصحي يقدِّم كافة الخدمات الطبية من مقابلة الأطباء وإجراء الفحوصات مجاناً وصرف العلاج (15%) من القيمة الكلية، إلا أنه وخلال السنوات الماضية أضحت الخدمات المقدمة من قبل الصندوق القومي للتأمين الصحي ضعيفة جداً ولا تتخطى مقابلة الطبيب العمومي، وقال المواطن محمد بلال: إن البطاقة أصبحت غير مجدية ولا يستطيع المريض إجراء الفحوصات الأولية، فضلاً عن انعدام الأدوية عبر الصندوق، وكان في السابق يغطي التأمين العديد من الخدمات بما فيها التنويم على المستويات كافة، وأضاف بلال: إن البطاقة كانت فاعلة حتى على مستوى المراكز والمراكز الطبية الخاصة، إلا أنها الآن توقفت حتى على مستوى المراكز والمستشفيات الحكومية بولاية الخرطوم لسكان الولاية، وخروج عدد كبير منها من الخدمة.
خروج مستشفيات ومراكز صحية عن الخدمة وأخرى لا تقدِّم سوى مقابلة الطبيب العمومي
اشتكى عدد من المواطنين تحدثت إليهم (الصيحة) من سوء الخدمة المقدمة من التأمين الصحي، وقالوا: إن الفقراء في السودان والذين كانوا يعتمدون على التأمين الصحي في تغطية تكاليف علاجهم ودوائهم -الآن- أصبحوا خارج الاهتمام ويموتون قبل أن يجدوا العلاج والدواء في الوقت الذي يعجزون فيه من العلاج في المستشفيات الخاصة خمسة نجوم التي تطلب أموال طائلة لا قبل لهم بها.
وقال المواطن عبد الله نور الدين: إن التأمين الصحي يغطي أدوية محدودة فقط، وما على المريض إلا أن يبحث عن الأدوية في الصيدليات الخاصة التي تضع أسعاراً فلكية.
خبير: عدد المستفيدين لا يتحاوز (5%) ولابد من حل الصندوق
مماطلة المحليات
رغم ضعف الخدمات المقدَّمة عبر مظلة التامين الصحي إلا أن عدداً من المواطنين لازالوا متمسكين باستخراج البطاقة العلاجية إلا أن هناك عدد من الصعوبات تقف في طريقهم.
وقال المواطن عثمان لـ (الصيحة): نجد صعوبة في عمليات الاستخراج والتجديد للبطاقة العلاجية من المحليات بولاية الخرطوم، لوجود نوع من المماطلة من قبل موظفي بعض المحليات خاصة الأفراد، وأشار إلى أنهم لم يتمكن من تجديد البطاقة طوال عامين، رغم تأكيد الصندوق ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي باستمرار عمليات تجديد واستخراج بطاقات العلاج تحت مظلة التأمين الصحي، وقال عدد من المواطنين لـ(الصيحة): إن هناك غياب واضح للرقابة على فروع التأمين بالمحليات، وقال المواطن علي إبراهيم، إنه ظل يلاحق موظفي محلية أمبدة لاستخراج بطاقة التأمين الصحي بدعم كامل من ديوان الزكاة إلا أنهم ظلوا يماطلون، وفي آخر مرة زار فيها مكاتب الصندوق ادعوا أن الدعم الكامل متوقف .
عمل مستمر
الناظر لعملية التأمين الصحي بالولايات يرى أنه يعمل بصورة مستمرة، وهناك مئات المرضى يومياً يتلقون العلاج بولاية الخرطوم قادمين من الولايات الأخرى، مما يدل على أن هناك مشكلة في هيئة التأمين الصحي بولاية الخرطوم، والتي فشلت في استمرار الخدمة، وأصبحت عبارة عن مكاتب فقط .
ومن جانبة أكد أحد موظفي التأمين الصحي داخل ديوان الزكاة استمرار عمل استخراج البطاقات العلاجية، وقال لـ(الصيحة): إن العملية تستغرف من شهر إلى شهرين لتصل للمواطن، نافياً التوقف التام .
تصريحات سابقة
جأر الصندوق القومي للتأمين الصحي، بالشكوى من عدم إيفاء الحكومة بإلتزاماتها تجاه توفير التمويل للخدمات الطبية، وأبلغت مصادر متطابقة (الحراك)، أن الصندوق يعاني الإهمال خلال الفترة الماضية، الأمر الذي قد يؤدي لانهيار خدمات التأمين الصحي في كافة الولايات.
وقالت المصادر: إن انعدام التمويل تسبب في نقص العديد من الخدمات التي يقدِّمها الصندوق، الأمر الذي قد يؤدي لتوقف الخدمة عن أكثر من (30) مليون مواطن، سوداني، من المؤمَّن عليهم، وأكدت أن أغلبهم من الفقراء وموظفي القطاع العام والشرائح الضعيفة، وأشارت ذات المصادر إلى أن ارتفاع أسعار الدواء أثر في موارد التأمين، ما جعل الإمدادات والمستشفيات تحجم في بعض الأحيان عن تقديم الخدمات لحاملي بطاقة التأمين الصحي.
اقتصادي: إيرادات التأمين ساهلة وثابتة فلماذا هذا التردي؟
دعوة للخروج
فيما دعا الخبير الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل، جميع المواطنين للخروج من التأمين الصحي، وأرجع دعوته لعدم فاعليته وضعف خدماته، وقال المهل لـ(الصيحة): إن المستفدين منه لا تتجاوز نسبتهم (5%) لعدة أسباب أهمها ضعف الخدمات والفترة الزمنية التي ينتظرها المريض لمقابلة الاختصاصي أو إجراء عمليات جراحية، فضلاً عن انعدام الأدوية والتحميل العالي على المواطن، مما خلق أزمة التأمين الصحي الحالية، وأضاف: إن هناك تسرُّب كبير للموظفين من القطاع الحكومي وإنشاء نظام خاص، واعتبر الصندوق هو السبب الأساسي في ذلك لحمايتهم بالقانون الذي يجعله إجبارياً دون خدمات، وأبان أن الخروج من مظلته الإجبارية يتم عبر الحكومة نفسها، مشيراً إلى أن إيرادات التأمين الصحي ساهلة وثابتة لا تنقص لأنها تعتمد على القانون، ودعا المهل لضرورة حل الصندوق القومي للتأمين الصحي، لأنه أصبح غير ذات جدوى، وتسليم مهامه للجامعات والتي بحسب وجهة نظره قادرة على تقديم خدمات طبية للمواطن عبر مستسفياتها التعليمية. وقال: الآن هناك أكثر من (80) كلية طب، مشيرًا إلى أن الخدمة بالأقاليم أفضل من الخرطوم لوجود مستشفيات خاصة بالتأمين الصحي، بينما لا يمتلك الصندوق بالخرطوم مراكز ومستشفيات وكانت هناك مراكز وتوقفت عن العمل.
الصندوق: هناك مؤسسات تخالف القانون وأنشأت نظاماً تأمينياً موازياً
نظام موازي
وقال مصدر مطلع بالصندوق القومي للتأمين الصحي: إن أكبر المشكلات التي تواجه الصندوق هو إنشاء نظام موازي للتأمين الصحي بولاية الخرطوم، ويضم المؤسسات الإيرادية الكبيرة، مستشهداً بالنفط والمالية، والضرائب المواصفات والمقاييس ديوان الزكاة، ديوان المراجع والحسابات، فضلاً عن وزارة المالية والشركة السودانية للكهرباء، فهي بحسب القانون يحتَّم عليها الدخول ضمن مظلة الصندوق، ولكن تلك المؤسسات تعمل على تأمين موظفيها بنظام خاص، مما أدى إلى إضعاف الصندوق القومي وبذلك تكون مخالفة للقانون، وأضاف: إن ولاية الخرطوم -أيضاً- خرجت عن القانون وتعمل على تحصيل الإيرادات دون أن تدخلها الصندوق الولائي، وشدَّد على ضرورة إدخال المؤسسات كافة تحت مظلة الصندوق القومي للتأمين الصحي لتطبيق النظام التكافلي الذي يقوم عليه الصندوق والحصول على إيرادات تمكِّنه من تقديم الخدمات الطبية لشرائح المجتمع كافة دون تمييز.