إعادة تعريف للفطيس والشهيد
وليست المعارك التي نخوضها اليوم بمعزل عن درب المدافعة الأزلي الطويل للبشرية في سبيل إرساء بعض القيم والحط من قيم أخرى..
لزمن طويل خفت روح المدافعة الإسلاموية في السودان وتراجعت قيمها وانقطعت صلاتها الطيبة بالناس والجماهير.. بعد أن أسلمت وجدانها لقراءة مجتزأة ومنبتّة للمقولة:
(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، وطفقت تشد على الجموح النافر.. متنازلة عن كل بادرة للعطاس.. كل منتوجها أصقلته في التصفيق والمكاء والتصدية لثلة من الماكثين فيها أبداً، سلطة مطلقة بلا مشروعية أو مشروع..
الشروع في الانتحاب كالنساء على ملك لم يتم الحفاظ عليه كالرجال لا يجدي فتيلاً و(البصلة في النار)، إنها الأقدار المكتوبة منذ الأزل:
(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)
فرغوا من تلك الحقبة فليفرغوا لحقيقة أنهم ملتزمون مجدداً أمام التحديات الرسالية التي لا تموت .. فلتتوحد استجابتهم لمواجهة سيل القضايا التي يفرزها انتقالُ العلمانيين (الواقفين قنا) إلى المشاركة في تشكيل هذه المرحلة.. فبعد أن أزالوا صور الشهداء من شارع النيل ذات مساء سيحاولون نهاراً أن يعيدوا تعريف الفعل الوطني لتصبح قدم (يوسف الفكي) اليمنى – والتي ذهبت في (خور كايا)- لتصبح علامة مميزة تكفي لملاعنته أو زجه في السجون – كيفما اتفق- بدلاً من منحه الأوسمة والأنواط وغناء الحكامات المليح.. وكل من اشترك وساعد، غزا أو جهز غازياً، في أي قتال ضد الرايات السابقة للحكومة القادمة، فإن (اسمه مكتوب) لدى الرفيق (ياسر عرمان) وحده وهو من سيقرر في شأنه..
وستبدأ (الكنداكات) في رصد كل الأزواج الذين منعوا زوجاتهم من الخروج والثورة والاعتصام ليجروهم إلى ميدان التوبيخ العام أو الاعتذار، وإلا فالتسريح خيار مطروح وبغير إحسان.. فالموضوع اختلف مثلما قال (السر) شافع الحلة (قضاي الغروض) لنسوان الحلة والذي لم يكن يفرغ من (مرسال) إلا ويأتيه آخر:
(يا السر.. صلصة من الدكان .. يا السر نص كيلو طماطم من السوق القدامي، يا السر عليك الله…), لكنه ومباشرة بعد دخوله المدرسة أطلق بيانه الأول:
(أنتو قايلين السر دا بتاع زمان… الموضوع دا اختلف)..
سننخرط في الاختلاف ووفقاً للاتفاق السياسي المبرم بين (قحت) والعسكري في الجدل حول حق المرأة في الميراث مناصفة مع الرجل .. ستغادرنا (حلايب و شلاتين) اتفاقاً معلناً وجهيراً والميناء الجنوبي وحلم سد النهضة، وسنكون في خانة (عبداً بي سيدو ولا حراً مجهجه) و(حسك عينك تسأل أختك جاية من وين!؟ وماشة وين)..
أليست كل هذه الأقضية المشرعة فصولها والمنفتحة سيرتها جديرة بشد المئزر وإيقاظ الأهل والاستبشار بجولة أخرى وجديدة من المدافعة.. ولو أن الأمر منوط بإيمان الناس كرهاً وكراهية وجبراً وغلبة لما قرأنا
(لو شاء الله لهداكم أجمعين).. ولما أسرها يوسف في نفسه منتظراً طواعية التسليم والخضوع وعودة إخوته لجادة الحق والصواب، ذلك الانتظار الذي كلفه ذهاب بصر والده النبي يعقوب .. ويا لها من كلفة، على فداحتها ومصابها الجلل فهي ذات عائد تعويضي عجيب ومُجزٍ وقريب، فيسخو فيه الخريف، وتخضر الضروع ونواعم الأيام مذ ذهبت تبادر بالرجوع.