*للقضاة الكثير من المواقف بعضها طريف وأخرى محرجة، وإن أراد الواحد منهم رصدها لكان له مجلد من الحكاوى والقصص التى تحدث في ردهات المحاكم وخارجها.
*وأذكر أن أحد القضاة حكى لنا حادثة كانت في مكتبه حيث كان هناك حكم بالإعدام على شاب وهو وحيد والديه، ليس لديه أشقاء، وكان مقرراً تنفيذ حكم الإعدام بعد احد الأعياد، وقبل ذاك اليوم جمع القاضي أولياء الدم بوالد المتهم الذي سرد لهم قصة محزنة عن فقده لابنه الذي سيعدم بعد أيام وأنه سيعيش وحيداً “باعتبار أن المتهم ليس له أشقاء”.
*تأثر والد القتيل بما سرده والد المتهم، ومع تباشير تلك الأيام “العيد” أعلن العفو عن المتهم، فما كان من والد المتهم إلا أن تناول علبة الحلوى التى كان يضعها القاضي أمام مكتبه ليوزعها على الجميع فرحاً.
*ضحك القاضي وارتاح قلبه للعفو ووزعت الحلوى على الجميع، هكذا هو الشعب السوداني في أي موقع كان أو مكانة اجتماعية، ففي النهاية هو سوداني بطبعه، يرفض الظلم ويسعد للعدالة، لا توجد فروقات بين هذا مسلم أو ذاك مسيحي، فالجميع تحت علم السودان واسمه وعاداته وتقاليده.
*ما دعاني لكتابة هذه المقدمة هو الظلم الذي لحق بمولانا عادل سمير قاضي المحكمة العليا والذي كان قد تقدم بطلب للمعاش الاختياري العام الماضي، حيث أورد أحد المواقع الإلكترونية الخبر تحت عنوان “الرئاسة تقبل استقالة قاضٍ مسيحي”، وأورد الموقع بعض التفاصيل غير الصحيح عن ترك مولانا عادل للقضاء اختياراً.
*دخل مولانا عادل مرحلة الاستحقاق للمعاش الاختياري منذ عدة سنوات فاختار أن يطلبه، وهذا حق قانوني إستحقه منذ عدة سنوات، ولم يكن هناك أسباب للتمييز دعته للاستقالة، فالقضاء في السودان وبتاريخه الطويل لم يعرف يوماً التمييز، فالعدل لا يميز الجنس ولا العرق ولا الديانة والسلطة القضائية هي المعنية بتطبيق القانون ولا تقبل لنفسها بالإخلال بأسس العدل..
*إن السيرة الطيبة التي عرف بها مولانا عادل وسط زملائه وأصدقائه تؤكد أن هناك أيدي خبيثة تريد أن تعبث وسط هذا المجتمع المتماسك والذي عُرف بالنزاهة والصدق والأمانة.
*عرف مولانا عادل سمير بأنه عالم في مجاله، إنسان في تعامله الراقي، له من الرزانة والحكمة واللطف ما يكفي أن جعله محبوباً وسط أقرانه، مُبرَّأ من الجهوية والعقائدية والحزبية، ونسأل الله أن يجد ما يستحقه في مقبل الأيام لتستفيد منه البلاد في أي موقع هو جدير به.