المهدي واليسار.. تراجيديا المرفعين والخروف!!
التصريح الذي أدلى به السيد الصادق المهدي، بأن هناك أحزاباً متطرفة تسعى لنسف الاتفاق والفوضى، يحتاج هذا التصريح لإعادة قراءة، سيما وأنه ورد من رجل يفتأ يقيس سبع مرات قبل أن يقطع بأمر تصريح واحد، فالملاحظ أن تصريحات السيد الصادق المهدي، اختلفتا أو اتفقنا مع مضمونها، تأتي متقنة العبارات والتصويب.
* ماهي تلك الأحزاب المتطرفة التي يقصدها المهدي، والتي تسعى لنسف الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، ومن ثم إحداث حالة من الفوضى في بلد لا يحتمل المزيد من الفرقة والشتات.
بطبيعة الحال أن الرجل يقصد الحزب الشيوعي السوداني وشركاءه في ما يسمى بقوى الإجماع الوطني، أحد مكونات أحزاب كتلة الحرية والتغيير.
* على أن المستهدف بمدفعية الإمام المهدي في المقام الأول هو الحزب الشيوعي، كونه الذي يتولى كبر عملية جر البلاد إلى الفوضى، وهو ذاته، الحزب الشيوعي، من يقود قاطرة تجمع المهنيين التي تفتأ تصمم المزيد من جداول المواكب والمظاهرات بسبب ولغير سبب .. تتملكها يومئذٍ حالة من الهياج الثوري الذي يضع العملية الانتقالية برمتها في مكمن الخطر.
* قلّ أن تستخدم كلمة تطرف في مواحهة الأحزاب اليسارية طالما أصبح التطرف علامة ثابتة وحصرية على الإسلاميين، وسبحان الله أن الساحة خالية الآن من الأحزاب الإسلامية، بحيث تتصدر أحزاب اليسار المشهد السياسي السوداني على حين فرصة وغفلة باهظة الثمن الفكري والعقدي والاستراتيجي.
* فمن الإنصاف بمكان أن توحي تصريحات السيد الصاق المهدي، بأن التطرف ليس تهمة توجه وتصمم دائماً للإسلاميين، فهنالك في المقابل أحزاب يسارية أكثر تطرفاً، على أن خطورة هذا الأمر يكمن في أن التطرف لا محالة ينتج تطرفاً آخر في المقابل، فتطرف اليسار إذا تجاوز الحد فإن ذلك لا محالة سيجعل الجو أكثر تهيئة لصناعة أحزاب إسلامية متطرفة في الجانب الآخر، وعندئذ لن تصمد رايات النضال أمام آليات الجهاد، وسيكون الوطن بطبيعة حالة الاستقطاب الحادة هو الخاسر الأكبر..
* على أن السيد الصادق المهدي يعرف الحزب الشيوعي السوداني أكثر مما يعرفه الإسلاميون، فالحزب الشيوعي السوداني قد نهض لأول مرة في البلاد لمناهضة (الأحزاب الرجعية) الطائفية، وذلك قبل أن تتشكل وتتخلق الأحزاب الإسلامية، وكانت بينهما حروب طاحنة على نحو مجازر ود نوباوي والجزيرة أبا، تلك المجازر الفظيعة بل الأفظع في تاريخ تصفية حسابات الخصوم بين الفرقاء السياسيين في السودان، وستظل ذاكرة الأنصار مثقلة بتلك الفظائع ما تعاقب الليل والنهار.
* كما أن الشوعيين في المقابل لا يحتفظون بذكرى طيبة لحزب الأمة والأنصار والسيد الصادق المهدي شخصياً، كون عملية طرد الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان قد تمت في فترة رئاسة المهدي لمجلس الوزراء، على حين جنوح عقدي من أحد كوادر الشيوعيين انتهى لاتخاذ قرار بطرد الحزب الشيوعي من البرلمان بالإجماع، على أن الإمام نفسه قد صرح منذ نحو أيام (بأن الحزب الشيوعي يتنافى ويتقاطع مع فطرة الشعب السوداني)!!
* فالشيوغيون ليسوا سعداء بوجود السيد الصادق المهدي في مركب الحرية والتغيير، والمهدي هو الآخر لن يترك الحزب الشيوعي الجنوح بمركب الأحداث ومن ثم الانزلاق في تيارات الحراك الثوري غير مضمونة العواقب الأمنية، بحيث أصبحت الحرية والتغيير في مأزق ذلك الرجل، الذي يود أن يرحل إلى الضفة الأخرى (مرفعيناً وخروفاً وعلفاً)، لا يستطيع ترك الخروف مع العلف، ولا ترحيل المرفعين مع الخروف ولا…. ولا..