العسكر والكتلة الديموقراطية.. مناورة أم إرباك للمشهد؟
تقرير- صبري جبور
فجَّر طلب المكوّن العسكري من الآلية الثلاثية التواصل فقط مع حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي بشأن التسوية السياسية، الأوضاع السياسية داخل القوى المدنية والحركات المسلحة المنضوية تحت تحالف الحرية والتغيير الكتلة الديموقراطية، باعتبار أن تلك الخطوة ممارسة للإقصاء في ظل التسوية المرتقبة التي تتطلب التوافق الشامل، بجانب يرون أنها بمثابة ضربة للتحالف وحدوث انقسامات بداخله، من أجل إضعافه في الساحة السياسية.
فيما رفض قادة الحركات هذا المسلك، مشيرين إلى أنه سيؤدي إلى فقدان الثلاثية لقيمة التفويض الدولي والإقليمي الممنوح لها.
في وقت يرى خبراء ومحلِّلون سياسيون، أن هذه الخطوة ستعقد المشهد وتعمل على اتساع الشقة بين الأطراف إلى يجب أن تتوافق في هذه المرحلة بغية الوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة الراهنة .
خلال أيام طالبت الكتلة الآلية الثلاثية بأن تدعو إلى اجتماعات بين الطرفين لمواءمة مقترحاتها الدستورية مع مسودة الدستور الانتقالي المعدة من نقابة المحامين السودانيين.
تواصل مع جبريل ومناوي
طلب المكوّن العسكري من الآلية الثلاثية التواصل فقط مع حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي بشأن التسوية السياسية.
وبحسب الزميلة (اليوم التالي) الصادرة، (الاثنين)، أنّ الآلية الثلاثية تواصلت مع العدل والمساواة وتحرير السودان وأبلغتهم بموقف المكوّن العسكري.
وأشارت إلى أنّ قادة الكفاح المسلّح خاصة مناوي وجبريل رفضا بشكلٍ قاطعٍ إقصاء بقية الكتلة الديموقراطية من التسوية السياسية المطروحة.
وأكّدوا بحسب الصحيفة، أنّهم لن يتفاوضوا بشكلٍ منفردٍ، لافتين إلى أنّ موقفهم يعبّر عن تحالف الكتلة الديموقراطية وفق رؤيتها المطروحة لحلّ الأزمة السياسية في البلاد.
تأسيس الائتلاف
مجموعة التوافق الوطني التي تضم الحركات المسلحة وقوى سياسية أعلنت في أكتوبر الماضي، تأسيس ائتلاف جديد تحت مسمى الحرية والتغيير الكتلة الديموقراطية تبنى تعديلات جوهرية على الوثيقة الدستورية التي انقلب عليها الجيش.وضم التحالف الجديد حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام والاتحادي الديموقراطي الأصل بقيادة جعفر الميرغني وفصيل من الحزب الجمهوري والبعث السوداني.
سمى الائتلاف الأسبوع الماضي، جعفر الميرغني رئيساً، كما اختار زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، نائباً له فيما تقرر أن يكون مناوي رئيساً للجنة السياسية.
رهان خاسر
ويقول الباحث في الشأن السياسي، الطيب عبدالرحمن الفاضل، لـ(الصيحة) بهذا يلعب المكوِّن العسكري على رهان خاسر ومتناقضات لا يمكن أن تجتمع ومستحيلة في عالم السياسة.
وأضاف “يدل على خوفه على الكرسي ونفسه من المحاسبة التي ستطاله والمشكلة أنه لا يتعظ من محاكمة رموز الحكومة السابقة كما يريد شق صف الحركات المسلحة التي قد تكون أكثر تماسكاً من بقية المكوِّنات السياسية الأخرى كما يريد بهذا الطلب الغريب لاسيما في ظل ظروف ضنك واحتقان سياسي وسيولة أمنية.
وأشار الطيب إلى بعض التناقض في خطابات رئيس مجلس السيادة التي يدعو فيها الأحزاب لتوحيد موقفها، وقال: “كيف نجمع بين ذلك وهذا يساهم بشكل مباشر في تعقيد المشهد المعقد “، إلا أن هذا الطلب من المكوِّن العسكري هدم كل ما دعا إليه من توحيد الأحزاب..وبهذا لا يمكن أن تثق فيه الأحزاب لأنه لا يحترم تقاليد العمل السياسي.
تباينات ومواقف
في السياق يقول المحلِّل السياسي، محمد علي عثمان لـ(الصيحة)- أمس-: طول أمد الأزمة السياسية أظهر تباينات ومواقف كثيرة لدى القوى السياسية وخاصة الحرية والتغيير ـ الكتلة الديموقراطية، وأضاف: ” هنالك كثير من الآراء اختلفت عن ما كانت عليه بعد (15) أكتوبر، تشكلت مع هذه الآراء تقاطعات في نقاط تفاهم سابقة.. ودخول سياسيين جدد داخل الكتلة الديموقراطية، فأصبحت غير الحاضنة السياسية لنظام الـ(25) أكتوبر، بعد دخول قوى موازنة في الشارع خففت الضغط على المكوِّن العسكري.
وأشار محمد علي، إلى أن طلب المكوِّن العسكري من الآليه الثلاثية عدم التواصل مع أعضاء الكتلة الديموقراطية لا يخرج من تلكم التباينات الحاصلة حسب تعبيره.
ويؤكد عثمان أن المشهد السياسي في السودان معقد جداً اليوم، مشيراً إلى أن هذا الطلب سوف يزيد من هذا التعقيد كثيراً في سبيل الوصول لتسوية سياسية شاملة وغير مشوَّهة يترتب عليها نكوص آخر.
إرباك المشهد
وتعليقاً على هذا الطلب الذي رفضته الحركات المسلحة، يقول المحلِّل السياسي أحمد عابدين في تصريح لـ(الصيحة) أمس: ( لو صح أن المكوِّن العسكري طلب هذا فبالتأكيد سيزيد الأمر تعقيد فهو بهذا ربما يقسم المقسم ويتدخل بصورة مباشرة وسيزيد الشقة ويربك المشهد.
ويضيف “الكتلة الديموقراطية تجمع سياسي واسع وأبرزه تحالف مبارك أردول والوافد الجديد الاتحادي الأصل، إضافة للعدل والمساواة جبريل وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي.
ولفت عابدين أن البرهان يبحث عن طوق نجاة ليتخلص من تركة أخطاء ارتكبها هو بنفسه ثم أنه يواجه تحالف خطير يقوده ماتبقى من (قحت) ، ثم أن الضغط الإعلامي المهول بعودة الإسلاميين يضع الرجل في فوهة النيران، فكانت قرارات إعادة البشير ورفاقه للسجن وتلاها قرار تجميد النقابات والآن التملص ولو ظاهرياً من تجمع الكتلة الديموقراطية والذي يتهم أن بينهم فلول.
استقطاب القوى السياسية
وقطع المحلِّل السياسي أحمد عابدين، أن البرهان يشتت الكرة ليكسب وقت يظنه في مصلحته وبهذا يضع مزيد من المتاعب على طريقه وحتماً لن يرضى الكل وسيتسرَّب منه الجميع وسيجد نفسه محاصراً بأعداء لا حصر لهم.
منوِّهاً إلى أن توجيه كهذا يجعل رئيس مجلس السيادة في موقع التناقض ويضع الآلية نفسها كمأمور خلاف دورها كمسهِّل بين كافة السياسيين، وبهذا تثبت الاتهامات فيها أنها أداة سياسية تحمل أجندة دول تصر على التدخل في الشأن الداخلي للدولة.
وأشار بدورها رفضت الكتلة الديموقراطية هذا التوجيه على لسان مناوي وبهذا يكون برهان والمكوِّن العسكري في موقف ضعيف فحتى من حاولوا تمييزهم رفضوا فهم على علم أنهم إذا قبلوا بهذا اليوم فسيتعشوا بهم غداً، داعياً العسكر إلى الابتعاد عن استقطاب القوى السياسية وأن يساعدوا الجميع على التوافق وليس نظرية الخيار والفقوس.
فقدان التفويض
(الاثنين) قطع المسؤول السياسي للحرية والتغيير ـ الكتلة الديموقراطية مني أركو مناوي، أن المكوِّن العسكري وجه الآلية الثلاثية بعدم التعامل مع ائتلاف الكُتلة الديموقراطية في المشاورات التي تجريها لإنهاء الأزمة السياسية بالبلاد، مبدياً رفضه المشدّد لذلك المسلك.
وقال مناوي في مؤتمر صحفي عقب اجتماع للجنة السياسية في التحالف (علمنا أن هناك توجيهات صدرت من المكوِّن العسكري للآلية الثلاثية بألا تتعامل مع الكتلة وأن تحصر لقاءاتها على حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، وهذا أمر مرفوض بالنسبة لنا وسيؤدي إلى فقدان الثلاثية لقيمة التفويض الدولي والإقليمي الممنوح لها.
ودعا الآلية الثلاثية التي هي جسم إقليمي ودولي إلى عدم الانصياع لتوجيهات أي طرف وندعوهم للاجتماع بنا خلال الساعات القادمة”.وأعلن كذلك رفضه التعامل معهم في أي مشاورات كأطراف لعملية السلام.
وشدِّد على أن هناك جسمان رئيسيان هما الكُتلة الديموقراطية والمجلس المركزي وأي تسمية خلاف ذلك من أي جهة دولية أو إقليمية نحن لا نقبلها.
اتفاق سري
وصف مناوي الاتفاق المرتقب بين الجيش والائتلاف الحاكم السابق بـ(السري) مشدِّداً على أنهم لن يقبلونه.واستنكر الاتهامات التي توجه للكتلة الديموقراطية بموالاة للعسكر وتابع: ” الآن العسكريين جميعهم مع ورقة المحامين، ونحن سودانيين ولدينا كتلة حرة وأنتجنا أوراق سياسية ودستورية مهمة كانت سابقة لوثيقة المحامين”.
ودعا إلى حوار شفاف يجمع كل السودانيين يخاطب التراكمات التاريخية بشكل واضح، مطالباً الجلوس مع مجموعة المجلس المركزي بعيداً عن أي تأثيرات خارجية للخروج من المأزق الذي يعاني منه السودان.وأبدى مناوي مخاوفه من أن تؤثر التسوية السياسية المرتقبة على اتفاق جوبا للسلام وتعطيل تنفيذ الترتيبات الأمنية.