أمران … أحلامها مُرٌّ ..
إذا اتّفقت أطراف ومكوّنات قوى إعلان الحرية في اجتماعاتها بأديس أبابا، وتمَّ التراضي بينها، واستوعبت الجبهة الثورية في الوفد التفاوضي مع المجلس العسكري أو تمّ الأخذ بآرائها، فهل سيُغيّر ذلك من مسارات الاتفاق حول الإعلان الدستوري أو يتم تعديل في الاتفاق السياسي..؟ أم إن الأمور ستسير سيرها الطبيعي حتى إنجاز ما يُتَّفق عليه حول الفترة الانتقالية، وتُعلَن مؤسسات الحكم، ويكون للجبهة الثورية بحركاتها المسلحة نصيب وافر في الشراكة الجديدة وتقاسُم السلطة..؟ وإذا لم يُعلَن أي اتفاق في اجتماعات الحرية والتغيير والجبهة الثورية، ما الذي سيحدُث بعدها، هل ستمضي قوى إعلان الحرية في تفاوضها واتفاقها مع المجلس العسكري من دون حلفائها..؟ وهل سيقبل المجلس العسكري الجزء المتبقّي من قوى الحرية والتغيير..؟
مهما كانت الإجابات على مثل هذه الأسئلة، تظل الأزمة السودانية باقية في بِنية العقل السياسي والتركيبة التحالُفية للحرية والتغيير التي تقوم على الحد الأدنى من التفاهُم المرحلي دون أن تتوفر قواسم إستراتيجية مشتركة تهون عندها كل الخلافات الثانوية واختلافات وجهات النظر والكسب الآني عند نثر عظام السلطة على القصعة.
من الواضح أن عملية جرد حساب تجري بين الشركاء المُتشاكِسين في اجتماعات أديس، بعضهم مُتعجّل لإتمام الاتفاق بأي ثمن، لا يُريد إفساد وتعويق الطريق إلى السلطة، والبعض الآخر يظن أن ما يليه من نصيب لا يُليق به، ولا بالأثمان التي دفعها، بجانب الشكوك التي نصبت جُدُرها السميكة بين فرقاء النضال ضد نظام الإنقاذ السابق، وعندما حانت لحظة المغنم، تعالت الأصوات وكثُر التزيُّد بالمواقف والأدوار، فالجميع الآن رغم المُعلَن من التفاؤل ينظر إلى ما في جرابه، ويتحسّس ما ناله من نصيب، لأن بعد هذه الاجتماعات إن انفضت بلا اتفاق سيمضي كلٌ في طريق، وربما لن تجمعهم أقدارهم السياسية مرة أخرى…. لأن الحظ شاء…!
الأهم في اجتماعات أديس الجارية والتي تكون قد انتهت في ساعة متأخرة من مساء أمس، أن لكل طرف من أطرافها خياراته، ولكل دربه السالك إلى الغريم والشريك المشترك وهو المجلس العسكري، فالجبهة الثورية بأحزابها، ليست مرهونة بالبقاء في جلباب الحرية والتغيير، ولا حتى كُتلة نداء السودان، يمكنها افتراع طريقها كما فعلت قبل أسابيع والتقت بقيادة المجلس العسكري في عواصم إقليمية أخرى، من دون أن يكون هناك وسيط أفريقي يُسمَّى ولد لبات أو وسيط أثيوبي، وكذا تفعل الحركة الشعبية شمال بجناحيها المُتنازعين تنازُع من لا يخشى الشقاق الأخير.
ولذا، فإن الحرية والتغيير التي تبدو فيها كتلة نداء السودان من الأحزاب، وهي حليف قوي للحركات المسلحة ومنضوية معها تحت راية النداء، هي الأقرب حالياً لاسترداد موافقة الجبهة الثورية سواء بالإقناع أو التوسّل، لأنها المُستفيد الأول من استمرار الاتفاق مع المجلس العسكري بعد تلكّؤ كتلة الإجماع الوطني، ورفض الحزب الشيوعي للاتفاق الذي وقّعه أحد كوادره من مجموعة تجمع المهنيين! ومأزق نداء السودان اليوم أنها لا تريد فقدان ما تحقّق من اتفاق، ولا ترغب في خروج الجبهة الثورية مُغاضِبة أو مُنسحِبة من تحالُف الحرية والتغيير، بينما يعمل الحزب الشيوعي وبقية عناصر الإجماع الوطني على هدم المعبد على رؤوس الجميع، حتى لا يحدُث اتفاق في أديس يدعم ولا يُعدّل الاتفاق السياسي الذي تم توقيعه أو الإعلان الدستوري المُزمع التوافُق عليه
على أي شاكلة يتمخّض اجتماع أديس أبابا الذي تتوافد على مقره، مجموعات سياسية ودبلوماسيون ووسطاء وأجهزة مخابرات دولية ومبعوثون وعابرو سبيل سياسي، فإن العبرة تكون بالنتيجة الختامية المُنعكِسة على اجتماع الثلاثاء بين المجلس العسكري وشريكه في الحرية والتغيير لإقرار الإعلان الدستوري، ولا ندري لِمَ غاب السيد الصادق المهدي وتخلّى عن الذهاب لأديس أبابا في الساعات الأخيرة ..؟ هل توقّع نتيجتها مُسبقاً، ووجد ضمانات إيجابية اقتضت لوازمها عدم حضوره، أم خشي من فشلها وتعنّت أطرافها، حيث لا ينفع أن يقف في ردهات الفندق الأثيوبي الأنيق ليُنادي كل طرف من الجبهة الثورية صائحاً “يا بُني اركب معنا…” !!