23 نوفمبر 2022م
السيد محمد عثمان الميرغني هو مرشد الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والحزب الاتحادي الديمقراطي هو حزب وسط وطني عريقٌ ذو توجُّه إسلامي يتكوّن من حزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الاتحادي في ستينات القرن الماضي، أحدهما بزعامة الشيخ علي عبد الرحمن، والآخر بزعامة الزعيم إسماعيل الأزهري أبو الاستقلال، كان تحت رعاية مرشد الختمية.
انتقلت القيادة بعد وفاة الأزهري والراعي السيد علي الميرغني إلى السيد محمد عثمان الميرغني، وغاب السيد الميرغني لمدد مختلفة عن السودان، وكان قد دعا إلى وحدة الأحزاب الاتحادية في القاهرة وتجمّعت تحت قيادته. وأوكل أمر القيادة المباشرة الى ابنه جعفر.
واتخذ السيد جعفر، قرارات بناء هياكل الحزب بتفويض من والده، ولكن نازع السيد جعفر في قيادة الحزب أخوه الحسن الميرغني، سانده في ذلك ابن عمه إبراهيم الميرغني ولم يقف الأمر على النزاع داخل قيادة الحزب وأجهزته، ولكن انتقل إلى خط الحزب العام وعلاقاته الخارجية، حيث إن السيد محمد عثمان الميرغني والحزب الاتحادي الديمقراطي منذ قديم الزمان على علاقة متينة جيدة مع مصر وهي ليست علاقة عابرة ولكنها قوية وأصيلة وثابتة منذ قبل استقلال، بل حتى فترة الحزب حزبين، وكان الاتجاه هو وحدة وادي النيل، ولذلك هذه العلاقة امتدت طيلة عُمر الحزب الاتحادي الديمقراطي، ولكن يبدو أن الحسن الميرغني أخذ توجُّهاً مختلفاً، حيث زار دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً مع ابن عمه إبراهيم وعاد إلى السودان ليوقع على الإعلان السياسي ودستور لجنة تسيير المحامين، وكان ذلك مرفوضاً من الحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة الزعيم محمد عثمان الميرغني، وكذلك من السيد جعفر الميرغني، وإن ذلك ليس ضمن تحالفات الميرغني المحلية والإقليمية، بل هو توجُّهٌ مرفوضٌ من أغلب القوى الوطنية خارج قحت وبعض القوى الأخرى كبعض الشعبي وبعض أنصار السنة وحتى داخل قحت هنالك قوى متحفظة على ذلك، حيث إنّه أقرب الى التسوية الثنائية التي تُسيطر عليها الوصاية الخارجية، وهو أقرب الى ميثاق ودستور الإذعان من المشروع الوطني، رغم إنه لم يحدث منتوج حكم نهائي للفترة الانتقالية وهو مشروع الرباعية (بين بين)، ومشروع واحد ناقص اثنين من الثلاثية، ومشروع دستوره مختلف على مولده، بل حتى مشكوك في نسبه، حيث يقال إنه صناعة خارجية من داخل دولة أفريقية، وبعضهم قال إن الحمل به تم في السودان، ولكن ولد في الخارج، فقط تم اختيار الاسم له في السودان.
على العموم هو دستور وميثاق غير متراضٍ عليهما حتى الآن رغم ما قدّمه العسكريون فيه من تعديلات ورغم إضافات الآخرين لأنه جاء أبتر دون البسملة، وقال عنه متحدثهم كما تمّ بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش في صلح الحديبية.
إذن، السيد الميرغني وجد أن حزبه في طريقه إلى عمل ليس من صنعه، ولا سياسته، ولا خطّه الداخلي ولا الخارجي، ولا تحالفاته السياسية مع القوى السياسية المُعتدلة، ولا حتى العسكريين، ولا علاقاته القديمة المتينة، ولا مبادئه، وهو حزب ذو توجُّهٌ إسلامي وسطي صوفي وهو إسلام عامة أهل السودان (ناس أبو فطومة)، ووجد أن الحزب بتوجّه السيد الحسن قد اُختطف وأُخرج من خطّه التقليدي والوطني والخارجي، وقد يولد ذلك عصياناً أو تمرداً أو انشقاقاً مدعوماً، خاصّةً وأنّ السودان في مرحلة انتقال اختطفتها أحزاب اليسار باسم الثورة وبدعم خارجي.
ولذلك حرص السيد الميرغني للعودة إلى السودان في هذا الظرف ونتيجة لهذه المواقف والأحداث ليحسم ثلاثة أمور:
1/ زعامة الحزب التنفيذية لصالح السيد جعفر الميرغني
2/ يثبت خط الحزب وتحالفاته بعيداً عما ذهب إليه نجله الحسن
3/ ويحافظ على الحزب وعلاقاته الخارجية التاريخية
وأخيراً ليضمن وحدة حزبه وكيانه.
عودة الميرغني جاءت في الوقت المناسب وستحدث توازنا في الساحة السياسية، وتربك حسابات بعض القوى السياسية وبعض دوائر من خارج السودان اعتقدت أنها سيطرت على المشهد، واعتقدت أن الأمر السياسي في السودان قد استتب وآل لها وخاصةً فولكر ومن لفّ لفّه، وأعادت مصر إلى المشهد السياسي السوداني، حيث (لعب بعضهم في ملعبها) فهي الأقرب إلى السودان رحماً ودماً والأخ الشقيق، وغيرها أبناء عمومة ومعارف وبعضهم أعداء.
مرحباً بالسيد محمد عثمان الميرغني في وطنه، فهو آخر عظماء الجيل الثاني من الاستقلال الذين مازالوا على قيد الحياة.. أطال الله في عُمره.