منى أبوزيد تكتب : أن يكون هناك فَرقٌ
23 نوفمبر 2022م
“الشعوب الواعية لا تَعتِبر جَهد الحاكم في خِدمَتهَا مَكرمة، ولا تَشكُر مسؤولاً على واجب”.. الكاتبة..!
في حدثِ درامي أو حادثةٍ شهيرة – أيام كم الإنقاذ – تقدم أحد الولاة باستقالته، أو لعله قد وُجِّه بتقديم الاستقالة، لست أدري بالضبط، وهذه على كل حال تفاصيل شكلانية لم تكن تعني مدير تلك المؤسسة المرموقة في شيءٍ، بقدر ما كَانَ يَشغل باله تدبيج تهنئة مُعتبرة للسيد نائب الوالي، الذي كان اضطلاعه بشؤون الولاية – بعد رحيل السيد الوالي – أمراً معلوماً بالضرورة..!
طلب المدير من موظف العلاقات والتسويق والنشر والذي منه، أن يُسارع إلى نشر تهنئة باسم المؤسسة في أكثر صحف الخرطوم انتشاراً. وبعد مُرور دقائق عاد المُوظّف إلى مديره ليخبره بأن الصفحة الأخيرة بتلك الصحيفة محجوزة ليوم غد. فعَبَس المدير في وجهه، وكأنّه يراه مسؤولاً عن ذلك “العارض” على نحوٍ ما. ثم أمره باقتضاب أن يحجز نصف الصفحة الأخيرة في عدد اليوم التالي..!
في المساء كان السيد المدير يُدخِّن حجراً من “المُعَسِّل” المستورد بصحبة بعض أصدقائه المقربين من دوائر صنع القرار، حينما سمع خبراً مؤكداً عن حل حكومة تلك الولاية برُمَّتِها، وتعيين مسؤول آخر والياً على شؤونها وشجونها..!
في صباح اليوم التالي، قامت السكرتيرة باستدعاء الموظف المسؤول عن نشر ذلك الإعلان إلى مكتب المدير على وجه السُّرعة، فلبَّى النداء مهرولاً، وهو يسأل الله أن “يَسُتُرَها”. دخل الموظف على مديره فوجده مُنتفشاً كمصيبةٍ في أطوارها الأولى، عابساً في وجهه، وكأنه هو الذي أطاش سهم توقُّعاته السِّياسيّة. وقد تمخض ذلك اللقاء – بطبيعة الحال – عن أمرٍ إداري بإلغاء تهنئة الوالي المكلف السابق، وتدبيج تهنئة أكثر حماسةً للوالي الجديد. مع توجيهٍ صارم بأن تكون مساحة التهنئة صفحة كاملة، هذه المَرَّة..!
معلومٌ أن تلك التهاني والتبريكات التي كان يتم إمطار المسؤولين بها حين تولي المناصب ليست “لله في لله”، وإن الشعور بالامتنان وواجب تقديم الشكر، والرّغبة في ردّ الجَميل، ليست أسباباً حقيقية لأي تكريم يُحظى به أي مسؤول. وإن تلك الهدايا الباهظة التي كان يتم تقديمها إليهم في مواسم الوداع ليست ذات علاقة بأيِّ بلاءٍ حسن كانوا قد أبلوه. ولعل اندثار مثل هذا السلوك العام من أهم إنجازات الثورة على حكم الإنقاذ..!
ورغم كل مظاهر الرِّدة والإحباط التي أعقبت انتصار الثورة أتمنى أن لا يعود مثل هذا السُّلوك الشعبي الذي لا نجد له نظيراً في بلاد أخرى، مُنَعَّمَة اقتصادياً، ومُتقدِّمة حضارياً، ليس لشيءٍ سوى أنها قد طوَّرت وعيها الشعبي، وتسلَّحَت برُقِيِّها الحقوقي، في مواجهة هذا الضرب من الإهدار الغاشم للكرامة والحقوق والأموال..!
فالحكاية ببساطة كالآتي: إمّا أن لا يؤدي المسؤول واجبه كما ينبغي، فيكون بذلك مُقصِّراً، وإما أن يقوم المسؤول بشؤون تكليفه على أكمل وجه، فيكون قد أدَّى واجبه – لا أقل ولا أكثر – أليس كذلك..؟!