“الحُكْم نتيجة الحِكمة، والعلم نتيجة المعرفة، فمَن لا حِكمة له لا حُكْمَ له، ومَن لا مَعرفة له لا عِلم له”.. محيي الدين بن عربي..!
في عدد الأمس نشرت هذه الصحيفة خبراً يقول “إنّ إمام وخطيب المسجد الكبير بالخرطوم قد قال في خطبة الجمعة – يوم أمس الأول – إنّ الشيوعيّة والحُريّة والمدنيّة سوف تعمل على مُحاربة الإسلام، واعتبر أنّ إيكال المسلمين أمرهم لغير الله قد ألقى بظلالٍ سالبة، وإنّه لا بُدّ من وجود عاقلٍ يعيد الإسلام والعدالة والراحة والتّسامُح، مُضيفاً أننا قد رجونا الفرج من غيرنا فأصابنا ما أصابنا، ومُشيراً إلى أنّ مشاكل الحرب العالمية لو كانت في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – لقام بحلها وهو يحتسي كوباً من القهوة”..!
انتهى حديث الشيخ – الذي أحسبه أراد أن يقتبس من “برنارد شو” مقولته الشهيرة “لو كان محمد حياً لحل مشاكل العالم بينما يشرب فنجاناً من القهوة”. انتهى حديثه ولم أفهم – وأحسب أنّ جل المصلين كذلك – ما هية العلاقة بين الحرية والمدنية ومُحاربة الإسلام..!
كنت أظن أنّ هذا الضرب من ضُروب الخِطَاب الديني المُتطرِّف قد انقرض منذ عهدٍ بعيدٍ، لكنّ حَديث الشيخ هذا أعادني إلى حكايةٍ طريفةٍ، وَقَعت قبل سنواتٍ في إحدى فترات الانتخابات، وكان بطلها إمام المسجد المجاور لبيتنا، فقد ارتجل يوماً خطبة سياسية بعد صلاة المغرب، حَذّرَ من خلالها المُصلين وجُمُوع أهل الحي وعُمُوم المسلمين في السودان، من التصويت للشيوعيين والنساء في الانتخابات القادمة..!
وفي معرض التّدليل على صواب رأيه، سَاقَ حكاية الراحل “محمد إبراهيم نقد” – الذي كان وقتها حَيّاً يُرزق – مع سؤال ملغوم لأحد الزملاء في برنامج تلفزيوني. فقد سأل ذلك الزميل، المرحوم “نقد” عن ما إذا كان يصلي أم لا، فأجاب سكرتير الحزب الشيوعي ومرشح رئاسة الجمهورية، في ذلك الوقت، بأنّه “حالياً” – أي الآن – لا يصلي. وهكذا قلب الرجل لمحاوره ظهر المجن، ثم نقل الحديث ببراعةٍ، من ما لا يرغب الخوض فيه، إلى ما يُريد هو أن يجيب عليه. وأذكر أنّ المُصوِّرين الذين كانوا يقفون وراء الكاميرات قد أخبروا الناس ضاحكين، بأنهم قد رأوا الأستاذ نقد وهو يصلي المغرب قبيل دخوله الأستوديو. بل إنّ السيد الإمام الصادق المهدي والشيخ حسن الترابي – رحمه الله – قد وقفوا للصلاة خلفه في أيام السجن..!
أَمَّا المرأة فهي رصيفة الشيوعي في عدم الأهلية لتولي تسيير شؤون المسلمين، وبالتالي فقد ذذر ذلك الإمام جموع الناخبين من ترشيحها. وللتدليل على قطعية ثبوت رأيه في حكم النساء، ساق الإمام صاحب الخطبة حكاية الهدهد الذي أبلغ سيدنا سليمان بملك بلقيس “…. وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ. إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ“ أي أن فضيلة الإمام قد استدل بدهشة الهدهد من مُلكٍ وجاهٍ “بلقيس”، ثم أسس على ذلك عدم مواءمة أن تتقلّد النساء المناصب السِّياسيَّة مع أبجديات الفطرة والدين..!
مع أن المُتأمِّل في الآيات الكريمة التي تضمّنت قصة الهدهد يفهم بسهولة أن أسباب دهشة الهدهد قد تكمن في عظمة جاه بلقيس – التي أوتيت من كل شيءٍ – وفي وصف عرشها العظيم. وحتى وإن كان حكم امرأة لقومها هو مبعث دهشة، فهو كذلك بمقاييس الزمن الذي عاش فيه الهدهد “يا مولانا”. أليس كذلك..؟!
منى أبوزيد
munaabuzaid2@gmail.com