الناس في بلدي صنعتهم وصناعتهم الحُب.. أكثر ما يجيدونه فكرةً ومُمارسةً هو التّوادُد ومُعايشة حياتهم (الغالية بالنّية السليمة) ولا شَئٌ يَستفزّهم قدر التّرفُّع والتّكبُّر و(رفع القِزاز) و(ما بنمشي لي ناس ما بيجونا) و(إنت لو عاجباك نفسك.. نحن برضو العزة فينا).. ومَعروفٌ تبعاً لذلك أنّهم لا يقبلون الحَقَارة والاستعلاء، ولا يَرضون الدُّونية، والظُلم عندهم ظُلُماتٌ، ودُونكم شواهد وأخبار لا حصر لها من لَدُن جدي الذي احتل دولة كاملة انتصافاً لحُقُوق (الحصان) مُروراً بـ(المك نمر) الذي فعلها رغم علمه أنّه لا يَستطيع إكمالها.
وتكمل المُرافعة برواية تلك الطُرفة التي تقول إنّ داؤود عبد اللطيف وهو مِن مشاهير الحلفاويين استقل قطاراً في إحدى سَفرياته.. ولتناول وجبة الطعام في عربة (البوفيه) المُلحقة بالقطار (أيّام عز السكة حديد).. أرهقه (السنطور) الحلفاوي العامل في عربة (البوفيه) بتجاهله المُتكرِّر لطلباته انشغالاً بآخرين حتى اضطره أن يصرخ في وجهه:
-(إنت عارف أنا منو؟!).
فعاجله السنطور بسُؤالٍ مُرتدٍ:
-(إنت تعرف داؤود عبد اللطيف)..؟
ردّ داؤدد مُتعجِّباً:
(أيوه).
فأسقطها السنطور دَاويةً:
(طُظ فيك وطُظ في داؤود عبد اللطيف).
رحم الله جدنا داؤود الذي أضحكته صراحة السنطور واعتداده العجيب بنفسه.
في بلدي، المُتقعِّرون (الرافعين نخرتهم) لا يلجون إلى (مزاجنا)، ولا نسمح لهم أن يعرفوننا.. ولو عرفوا لجالدونا عليها بالسيوف ولتخلّوا عن جنسيتهم المُزدوجة لصالح الانتماء لهذه الأرض التي لا تقبل إلا أصيلاً وفاضلاً.
أميرة الفاضل شاورت واتّفقت مع (حمدوك) ليكون وزيراً للمالية في عهد النظام السَّابق وتَمّ الإعلان عن ذلك، استبشر الجميع وارتفع صيت حمدوك وعَلَت أسهمه باعتباره المُنقذ للاقتصاد السوداني وأزماته ريثما يتناول فنجاناً من القهوة، واستمر الضجيج إسفيرياً حتى قطعه الرجل بالاعتذار القاطع وتمنياته للشعب السوداني بدوام الرخاء!! لكنه ما لَبِثَ أن عَاوَدَ الطَلّة مُرشّحاً من قِبل (قحت) لرئاسة الوزارة المُقترحة وبشرط التّخلِّي عن جوازه البريطاني.
ومنذ ذلك التاريخ واسم حمدوك (يعاقره) التّردُّد ما بين الرفض المُربك والقُبُول (بي نص كلتش) و(خطوة واحدة أيوه.. التانية مُستحيلة) في مَشهدٍ خَجولٍ وغَريبٍ.
التّصدِّي و(التشمير) عن ساعد الجد بلا تلكؤٍ أو تَردُّدٍ هو الضمانة وكلمة السر في مُعالجة أوضاع الانتقال، سيرتقي الحمدوك مُرتقىً صعباً إن فتح الله عليه بالقبول بالمنصب، وبدلاً من الهَم الاقتصادي (الشائك) سيتسربل في حبائل هُمُوم أخرى وكثيفة، لن يَجدي نَفعاً معها افتتاحها بتلك التّردُّدية وتلك اللغة التّرفعية التي ينطق بها فلا هي عربيّة ولا هي إنجليزية وغالب المُنتظرين هنا (سفنتيفايف).. وعَميقون على بساطتهم، يعرفون (أنّ الخريف من رشتو والعريس من بشتو)..!!