بورتريه: محمد طه القدال.. ما بين سهوب البوادي وتخوم الحضر!!
كتب- سراج الدين مصطفى
مدخل مهم:
محمد طه القدال.. اسم يحتشد بالمغايرة .. شاعر صاحب لون مختلف وغير معهود.. يكتب الشعر الذي باستطاعته أن ينقلك الى سهوب البوداي وتخوم الحضر.. مفردته رغم شعبيتها وسودانيتها المحضة ولكنها مُوغلة في الحداثة.. شاعر ريفي في منتهى الحضرية والمدنية.. نسج القدال شاعريته وفرضها على واقع الشعر في السودان.. وهو شاعر يمكن أن نضعه في أطر كثيرة.. ومن بين تلك الأطر هو الدوبيت.. فهو كتبه واستخدمه في الكثير من كتاباته مثل أغنية (مسدار أبو السرة) التي تغنيها عقد الجلاد.
نقلة مهمة:
أحدث القدال نقلة مهمة في مسيرة شعر الدوبيت حتى كاد أن يصبح امتدادا لجماليات الحردلو وود ضحوية وود شوراني.. (الحوش الوسيع) استطلعت الدكتور سعد عبد القادر عن الإضافات التي أسداها القدال لهذا الضرب من الشعر .. وقبل أن يدخل في تفاصيل تجربة القدال .. تحدث عن الدوبيت قائلاً (الدوبيت يتأثر في أنواعه جميعها، بالمدارس الأدبية التي يستحدثها الشعراء والأدباء، ولم ينعزل فن الدوبيت السوداني عن هذه المدارس لأن الحركات الاجتماعية والسياسية أثرت كثيراً في المجتمع السوداني، فدخل الدوبيت في مضمار التنافس الشعري على ابتداع أنماط جديدة غير مألوفة عند شعراء الدوبيت السالفين في الأجيال الماضية.
انتشار شعر الدوبيت:
قلت للدكتور سعد عبد القادر كيف تغلغل الدوبيت في الحياة الاجتماعية والثقافية .. فقال ربما تكون سهولة الألفاظ عند شعراء الدوبيت المتعلمين مظهراً من مظاهر التجديد، لأن المألوف في الدوبيت السوداني اللفظ البدوي القاسي، لكن شعراء المدن لم يعتادوا لفظ البادية، لذلك لا نجد في شعرهم ألفاظاً مثل “اليوي ـ الهبوي ـ التباب ـ البريبة ـ العسين ـ الحرقوص ـ أب قنفة ـ الوعرة ـ القنوبة وغيرها” مما اعتاده شعراء أمثال الحردلو ـ الصادق ود آمنة ـ آدم ود سعد ويوسف البنا وغيرهم من شعراء البادية.
كيف ترى القدال مجدداً في مجال الدوبيت؟
* التجديد بمعناه الأدبي العميق فهو ماثل في دوبيت الأستاذ محمد طه القدال ، الذي ابتدع صيغاً ومعان لم يألفها شعراء الدوبيت في السودان كله ، بدواً وحضراً، فقد استخدم القدال بناء الدوبيت البدوي نفسه في ابتداع هذه المعاني واقتبس هذه المعاني من البيئة السودانية، ولكنه اتّخذ عناصر هذه البيئة رموزاً لمعانٍ خفية يمتزج فيها الصراع السياسي بالاجتماعي، والسياسة العالمية ومصائر الشعوب ونضالها أو صدام المجتمع المثالي لمتغيرات فرضتها بعض الأنظمة السياسية كقوله:
كبس الهم علي والحال قبض يا السيد
غبناً في كج وتادو جنبي معيد
مو جناً تجيب سلسل جنازرو تقيد
بلا غيبوبة البلد النصيح ومصيد.
ولكن بماذا تميّز القدال عن بقية الشعراء؟
* يختلف القدال عن الذين نظموا الدوبيت السياسي، لأن أولئك نقدوا الواقع نقداً مباشراً وذكروا كثيراً من الشخصيات السياسية التي أوقعوا عليها نقدهم. ولكن القدال لم يكن ذا نقد مباشر، ومن ذلك (مسدار أبو السرة لليانكي) الذي تتضح فيه هذه الرمزية، فألفاظه وبناؤه جاءا بما يألفه الناس في الدوبيت السائر بينهم، ولكن المعاني الظاهرة في هذا المسدار تحمل مدرسة شعرية أخرى تقوم على الترميز وعدم المباشرة ، ويقول في هذا المسدار:
أماتي القبيل بي حنهن لقني
كرفة وقلدة كيف شوف اللبن رجني
حزناً جاني في ميع الصبا يلجني
اطلع مني يا جلدي المنمل جني
واطلع مني يا حزناً بقى مكجني.
ما هو الذي قام به ولم يقم من سبقه من شعراء الدوبيت المعروفين؟
أضاف القدال الى بناء الدوبيت أمراً آخر، وهو إطالة الشطر في هذا اللون من الشعر في بعض المواضع وتقصيره في مواضع اخرى وهو الأمر الذي لم يفكر فيه شاعر من شعراء الدوبيت في البادية والمدينة، هذه الإطالة كأنّها أدخلت في الدوبيت فناً شبيهاً بشعر التفعيلة، مثلاً قوله:
خلني ابدأ مسداري
وأودي قفاي لداراً بقت مي داري
جيت الجلدي بيني وبين عضايا الشحمة إلا النار بقت قدامي
جلدي الليلة بيني وبين عضايا المافي.
ما أدخله القدال من أنماط هل وجد استحساناً؟
* فكرة القدال التجديدية في الدوبيت كانت فكرة عميقة فلم ينكرها أحدٌ من فحول الدوبيت المعاصرين، بل استحسنوها استحساناً كبيراً في البادية والمدينة، لأن القدال لم يهدم أسس هذا الفن، لكنه جمع بين البداوة التي هي موطن الدوبيت وبين التطور الأدبي الذي ينتشر في المدينة أكثر من انتشاره في البوادي، وتظهر بداوة القدال في (مسدار أبو السرة لليانكي) في فكرة القدال التجديدية في الدوبيت، كانت فكرة عميقة فلم ينكرها أحدٌ من فحول الدوبيت المُعاصرين، بل استحسنوها استحساناً كبيراً في البادية والمدينة.