تقرير: عبد الله عبد الرحيم
على الرغم من أنه قد تم التوقيع على الاتفاق السياسي بين إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، بعد طول انتظار وترقّب من قِبل الشارع السوداني، إلا أن الخطوة لم تحقق وترضي طموح الحركات المسلحة التي تُفاوِض وفداً من إعلان الحرية والتغيير بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا مؤخراً، ووصفوا الخطوة بـ”الهزلية”..
وجرت مساعٍ كبيرة وقوية من قبل طرفي قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري لإيجاد الموافقة من القوات المسلحة ومحاولة شرح أبعاد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه ولم ينل رضى الحركات المسلحة. وهو الذي دفع المبعوث الأفريقي البروفيسور محمد الحسن ولد لبيات للانتقال إلى إثيوبيا للقاء وفود الحركات المسلحة التي أبدت وفقاً لما رشح من أخبار ترحيبها بالخطوة والتي تم وصفها بالإيجابية.
وفي الوقت الذي تهب فيه الحركات المسلحة لاستقبال ولد لبات، يرى سياسيون ومراقبون للساحة السياسية أن خطوة ولد لبيات من شأنها أن تعجل بوضع سلاح الحركات المسلحة أرضاً، لجهة أن الحركات طالبت منذ بواكير مقدم المبعوث الافريقي إلى وضع آلية لمعالجة أمرها في ظل هرولة معظم القوى السياسية نحو السلطة على نحو ما شهدته الأيام الماصية، فهل ستُعجل الخطوة بإكمال مسيرة السلام بإسكات سلاح الحركات المسلحة، أم إن ما يجري بالساحة السياسية، وما يحدث من تدافع قد يضع سيناريوهات واحتمالات بديلة؟.
حلول وتجزئة
محاولات ولد لبات تأتي لدعم الاتفاق السياسي بين الحرية والتغيير والعسكري، ومحاولة لتسويقه عالمياً في الوقت الذي لا زال البعض ينظر إليه بالمؤامرة على رفاق الأمس ومحاولة إقصائهم. وهو الشيء الذي أكده الحزب الشيوعي في بيانه الذي نشره بالتزامن مع إعلان الاتفاق. وترى قوى سياسية أخرى لا يقل موقفها تشدداً من موقف الشيوعي، أن الاتفاق الذي تم يعتبر “برشوتاً ناعماً” لمعالجة الأزمة السودانية، فيما ترغب بعض القوى السياسية وقوى التغيير في حل قاسٍ على منسوبي النظام البائد يعمل على رد كل أملاك السودان التي أُخذت دون وجه حق وردع المعتدين.
وقال لـ(الصيحة) مبارك دربين رئيس حركة جيش تحرير السودان قبل أن يتحول لحزب سياسي، إن الخطوة جيدة ومن شأنها أن تحدث الجديد في ملف الأزمة التي طرفها دون شك الحركات المسلحة، ولكنه أكد أن محاورة قوى إعلان الحرية للحركات المسلحة عبارة عن محاورة الذات، لأن الحركات وإعلان الحرية جسم واحد، وكلهم موقع على الميثاق المكون للإعلان نفسه، وبالتالي وفقاً لدربين لم يكن يرجى من تلك اللقاءات التي احتضنتها أديس أبابا كثيراً، ما يجعل ذهاب المبعوث الأفريقي بنفسه للقاء هذه الحركات بالخطوة الإيجابية، كما أن مخرجات اللقاء تجد دعماً إقليمياً ودولياً كبيرين لوزن المبعوث، في الوقت الذي يمكن أن تكون لقاءات قوى إعلان الحرية بالحركات المسلحة مجاهدات من طرف واحد.
سودانية خالصة
ويقول القيادي بالحركات المسلحة بالخرطوم عبد الكريم الشيخ، إن التحرك الأفريقي مؤخراً للقاء الحركات المسلحة لا يفيد القضية السودانية، ولا يحقق سلاماً لجهة أن قضية الهامش والحركات الحاملة للسلاح في كل أقاليم السودان قضايا لأسباب وطنية، هناك أسباب جوهرية تسببت فيها الحكومات المتعاقبة على السودان، وعلى رأسها المؤتمر الوطني، وأدى هذا لتعقيدات، والتدخل الأجنبي دائماً ما يتدخل لمصالح أو أجندة تكون في الغالب لأغراضه هو، وجذور المشكلة يعلم أسبابها السودانيون، لذلك فطريقة حلها أيضاً يجب أن تكون بأيدٍ سودانية. وتساءل الشيخ عن الضامن، وقال: هل يملك الوسيط الأجنبي دوماً الحلول لإنفاذ ما تم الاتفاق بشأنه؟ وهل هو من ينفذ الاتفاق، وأرجع الإجابة على السؤال إلى أنه ينبغي أن تكون المبادرات سودانية، وأن يتفاكر أصحاب المصلحة ومن ينوب عن الحكومة على كيفية إيجاد الحلول.
أجندة ومصالح
وأكد عبد الكريم على أن يكون الحوار سودانياً، رغم فشل المبادرات السابقة في إيجاد حل للأزمة السودانية، وقال إن رفع السلاح في الماضي كان وسيلة لتحقيق الغاية ورفع الظلم عن المواطنين في المناطق المختلفة، وقال إن الحركات المسلحة فيها من وقع على السلام، الكثير من لم يوقع السلام ظل حاملاً السلاح، وقال إن الاتحاد الأفريقي والوسيط غير ملمين بتفاصيل القضية التي لها أبعاد سياسية مختلفة، واضعاً آماله كلها على الحراك الداخلي السوداني ــ السوداني، وإغلاق الطريق أمام أي تدويل قد يكلف السودان كثيراً لوجود وبروز الأجندات الدولية والإقليمية في الأزمة السودانية، وكيفية البحث عن طرق للحلول قبل أن تتجذر على نحو مغاير.
تفاعل داخلي
الحركات المسلحة ظلت تحمل السلاح لفترة طويلة تقتضي أن يكون نتاج ذلك وفقاً لمخططاتها، على الحد الأدنى وإحراز ما من أجله حملت السلاح، وهي إلى الآن لم تحقق ذلك الهدف، وهذا يحلمها على أن تحاور باستماتة على أن لا يكون هناك اتفاق لا يلبي غرضها وهدفها. وبالتالي فإن الدكتور الأمين الحسن الخبير الاستراتيجي يرى لـ(الصيحة) أن الوضع في البلاد جد خطير، يحتاج لتفاعل داخلي كبير جداً، لا يستثني أياً من الأقسام التي حملت السلاح.
وزاد الحسن إن مفاوضات أديس بين المبعوث الأفريقي ورغم معارضة البعض لها، إلا أن بمقدورها أن تضع النقاط فوق حروف الاختلاف الكبيرة التي انتظمت الساحة الحوارية مؤخراً بدخول ولد لبيات كطرف آخر في ملف الحركات المسلحة.
وقال الأمين: رغم أن المهمة صعبة، ولكن أثبت المبعوث الأفريقي أنه قدر المسوؤلية من خلال ما بذله من جهد في القضية التي راح ضحيتها عدد من المواطنين السودانيين. معرباً عن أمله أن يؤدي القادم من نتائج المفاوضات الجارية في أديس أبا إلى التفاهم الكبير الذي يضم كل منسوبي الحركات، ويؤدي لرتق النسيج الاجتماعي ويحفظ السلم والأمن القومي والاستقرار.