صلاح الدين عووضة يكتب : ما وراء!
18نوفمبر 2022
واليوم جُمعة..
وغداً سيكون ما وراء السبت…. عادي..
والعادي – من كل شيء – هو ما لا يقف عنده العقل كثيراً… ولا قليلاً..
ولا بجانبه أيضاً… ولا أمامه… ولا وراءه..
أو بعض ما يبدو لنا عادياً – وطبيعياً – من حوادث… وأشياء… ورؤى… ومرئيات..
والبارحة كنت أقرأ كتاباً……. عادي..
فتذكرت – عند فقرةٍ ما – أمراً حدث لي في عمري الباكر… عادي… عادي جداً..
ما هو غير عادي أن عمري ذاك كان عامين فقط..
وأن الذي أرجعني إليه – كما آلة الزمن – كلمةٌ وردت في الفقرة هذه؛ هي مراجعة..
طيب لماذا الآن فقط وهي كلمة عادية؟..
بل ومرت علي كثيراً؟..
أو بعبارة أخرى: ما الذي جعل طاقة ذاكرتي تنفتح في هذه اللحظة على تلكم الذكرى؟..
إنه الطقس؛ لقد كان مُماثلاً تماماً للذي حدثت فيه تلك الحادثة..
فهكذا يعمل الجُزء الذي هو بمثابة مخزن للذكريات الأليمة – أو القديمة – من عقل الإنسان..
تحفزه كلمة… أو رائحة… أو طقس… فتكون بمثابة المفتاح..
المفتاح السحري الذي يفتح قفل طاقة بعينها… هي التي تكمن وراءها الذكرى المعنية..
فعشت لحظات حادثتي تلك في كسر من الثانية..
وهنا نحسب بحساب الزمان العادي..
أما بغير العادي فقد كانت المُعايشة ذات زمن طويل..
طويل جداً… بطول الوقت الذي ذهبت فيه إلى جاري – وصديق طفولتي – صلاح..
ثم طفقنا نلعب… عادي..
إلى أن دفعني – بلا قصد – نحو صفيحة ماء صابون يغلي على النار..
فانسكب جانب منه على معدتي… ما زالت آثاره باقية إلى الآن..
فتم أخذي إلى المشفى على عجل… وهناك سمعت عبارة: لا بد من المراجعة بعد أيام..
كل ذلك ولي من العمر سنتان فقط..
فما من ذكرى – في حياة الإنسان – تندثر عدماً… وإنما تكمن في خزانة ذكرياته الما ورائية..
وحتى ما نسميه النداهة ما هو إلا محض ذكرى ما ورائية..
مثل حادثة سماع اسمي يُنده به – ذات نهار بالبلد – من جوف مكان يبعد عن الطريق كثيرا..
وهو المكان ذاته الذي ناداني فيه طفلٌ قبل أعوام خلت..
فكل ما هو ما وراء قد يبدو لنا غامضاً… ومثيراً… وغير عادي؛ بينما هو عادي جداً..
وحتى السياسة فيها غموض الـ ما وراء هذا أحياناً..
مثل ذاك الذي سُمي – في مصر – الرجل الذي وراء عمر سليمان… أواخر أيام مبارك..
بينما هو الرجل الذي كُلِّف بمهمة مُراقبته… ليقول ما قال..
تماماً كما كان البشير – عندنا – يتحدّث عن العربة التي كانت وراءه يوم الانقلاب..
ولم تكن سوى العربة المكلفة بمتابعته حتى مبنى القيادة العامة..
ومن قام بتكليفها هم قادة الجماعة الإسلامية..
والتي كانت وراء انقلاب الثلاثين من يونيو… قبل أكثر من ثلاثين عاماً..
وفي أيامنا هذه هنالك شخص مثله يُظهر غير ما يبطن..
أو إن الذي يبدو للناس من أمامه هو غير ذاك الكامن من ورائه..
والكامن هذا عكس الظاهر… وهو الحقيقي..
أو – بعبارة مباشرة غير ذات ورائيات – طمع الانفراد بالأمر وحده… دون الآخرين..
ومن أراد أن يرى حقيقة هذا الذي نقول فليحفز ذاكرته..
فسوف تنتفح في عقله طاقة ذكريات قريبة… قريبة جداً… ليعيش لحظاتها بتفاصيلها كافة..
تفاصيل التحشيد… والتجييش…. والتلميع… ليكون الأول..
وهو الذي نتحدث عنه في كلمتنا هذه..
وكلمتنا هذه نفسها قد تبدو عادية اليوم… ولكن غداً ربما يستحضرها الذهن في لحظة..
وذلك إن حفزها حادثٌ ما للصعود إلى سطح العقل الواعي..
فيتذكّر الذهن – ويعي العقل – ما كنا نعنيه من وراء كلمتنا هذه… في يومنا هذا..
ما وراء!.