كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
في الهزيع الأخير من الليل، أغمض الدكتور عبد المطلب الفحل، إغماضته الأخيرة وودّع الدنيا، تاركاً خلفه سيرته ذاتية ناصعة البياض والعطاء.. ولعل الرجل واحدٌ من الخبراء في مجال العمل الإعلامي تميّز بالعلم الغزير والذاكرة النشطة مع قدرة فائقة على التقديم البرامجي ومهارات مُدهشة في كيفية توصيل المعلومة بكل حُب ولطافة، مما جعل له قاعدة كبيرة من المستمعين والمتابعين.. وبرغم رحيله المؤلم يظل الدكتور عبد المطلب الفحل، واحداً من الرموز الإعلامية الخالدة التي تتكئ على رصيد معرفي ضخم.
(2)
الدكتور الراحل عبد المطلب الفحل من مواليد 1942 بمنطقة الزومة محلية مروي، درس المراحل الأولية والوسطى بالزومة، ثم المعهد العلمي بنوري، ثم الثانوي ببورتسودان، تخرج في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بكلية الآداب من قسم اللغة العربية.. الدراسات العليا الماجستير من جامعة القرآن الكريم، تحدّث فيه عن (الأداء اللغوي في نشرات الأخبار في الإذاعة السودانية).. وحاز على الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية عن (اللغة العربية ما بين الفصحى والعامية في الإذاعة السودانية).. تطبيقاً على برنامج لسان العرب للأديب الراحل فرّاج الطيب، ودراسات في القرآن للدكتور عبد الله الطيِّب.
(3)
ويحكي عبد المطلب الفحل، عن سيرته الذاتية وتفاصيل دخوله للإذاعة السودانية (جاء دخولي للإذاعة في عام 1978م عندما تم نقلي لمدرسة عطار الثانوية بنين بأعالي النيل، ورفضت الذهاب نسبةً لموهبتي بكتابة الدراما للمسرح والإذاعة وحبي للمسرح وإجادتي للتمثيل منذ الصغر.. حيث أصرت وزارة التربية والتعليم على نقلي، وتدخّل الأستاذ بابكر أحمد كابوس- وهو عضوٌ في مجلس الآباء بالمدرسة في بحري ويعمل بوزارة الثقافة والإعلام – وجّهني بأن انتقل لوزارة الثقافة والإعلام، تمّت إجراءات نقلي وتعيّنت في الإذاعة السودانية).
(4)
وفي سردية بالغة العذوبة يقول: أنا من الذين لم يُخضعوا لاختبارات الصوت، وقدّمت برامج صغيرة ومسلسلات للإذاعة في بداية السبعينيات، وأول مسلسل إذاعي (منو الكتل صديق)، وآخر يتكوّن من خمس عشرة حلقة (حكاية النعمة بت وراق)، ثم برنامج (دكان ود البصير) كبرنامج كبير، ومازال مُستمراً، وقد بلغ عدد حلقاته ألف وثلاثمائة، وهو من البرامج الدرامية وبرنامج (أهلاً وسهلاً) و(الهجرة إلى الله) استمر (12) عاماً، وبرنامج (على الخط) الذي قدمني للجمهور، وأكسبني مَحَبّة الناس، ومن خلاله زُرت مُعظم ولايات السودان، بعدها عملت محاضراً بجامعة أم درمان الإسلامية وأُحلت للمعاش في عام 2003م، وحالياً مُحاضرٌ بجامعة المشرق ببحري، ومتعاون في الإذاعة ببرنامج (دكان ود البصير).
(5)
كان للراحل عبد المطلب الفحل، العديد من الهوايات والملاذات التي يهرب إليها.. حيث قال (هواياتي المحبّبة هي القراءة والكتابة وفي الفترة الأخيرة ركّزت على التأليف، والآن بصدد تأليف (موسوعة عن الأسماء السودانية) وإصدار كتاب (الصلاة على الرسول الماحي في مدائح حاج الماحي).. وقريباً سوف تفتتح مكتبة محاسن للباحثين والدارسين، وبها جناح خاص للكتب الإعلامية.. وأنا طبعاً لعبت الكرة الطائرة والتنس في المرحلة الوسطى، وأشجع فريق الزومة، وتعجبني المشاهدة الرائعة في نقل مباريات كأس العالم).
(6)
في واقعة نادرة الحدوث تدل على وفاء غير محدودٍ يحمله صاحبه لزوجته الراحلة التي توفاها المولى عز وجل قبل سبعة أعوام خلت، قام الإعلامي والمؤلف الدرامي عبد المطلب الفحل بتوزيع حلوى على حضور إحدى الورش الإعلامية التي كان مقدماً رئيساً لورقة منها، احتفاءً بمرور 42 عاماً على زواجهما، داعياً لزوجته بالرحمة والمغفرة، وقال الفحل: إنه درج على الاحتفال بعيد زواجهما سنوياً رغم رحيل زوجته كي يرسل لها رسالة مفادها أنها لا تزال معه روحاً رغم رحيلها جسداً وإنه لن ينساها ما دام حياً.