البرلماني المستقل السابق أبو القاسم برطم لـ ” الصيحة”:
الوضع الاقتصادي كارثي ويحتاج إلى رؤية واضحة
السوق يتحكم فيه (السماسرة) ويحتاج إلى رقابة
عضوية البرلمان القادم يجب أن تكون من تكنوقراط مستقلين
نطالب بتحديد أولويات وآليات الحكومة القادمة
لدينا كفاءات قانونية.. والدستور يجب أن يشارك فيه الجميع
الإنتاج والإنتاجية وفق خطة اقتصادية واضحة مخرج اقتصادي
حاورته: شادية سيد أحمد
تصوير: محمد نور محكر
أبو القاسم محمد برطم، نائب الدائرة “2” دنقلا مستقل، خلال البرلمان السابق، كان ـكثرالنواب جدلاً داخل القبة وأثار الكثير من القضايا والملفات المسكوت عنها، من قبل القوى السياسية مثل ملف الحج والعمرة وما يدور بداخله وغيرها من القضايا الأخرى المثيرة التي أشعلت البرلمان مما أدخله في عراك مع قيادة البرلمان والأجهزة التنفيذية من خلال مواجهاته وتصريحاته التي أثارت حفيظة هذه الجهات إلى أن وصلت درجة المطالبة برفع الحصانة عنه حتى يتسنى التعامل معه عبر القانون .
وصُنف أبو القاسم برطم من الشخصيات المثيرة للجدل داخل البرلمان كنائب مستقل. وتحدث برطم عن نيته في الترشح لرئاسة الجمهورية وقتها والتي كان محدداً لها العام 2020 قبل سقوط النظام السابق، ولا زلت هذه الفكرة تراوده.
وأكد خلال الحوار الذي أجرته معه الصيحة أن نية الترشح لرئاسة الجمهورية لا زالت قائمة لديه وقتما تحدد انتخابات رئاسة الجمهورية عقب انقضاء الفترة الانتقالية المقبلة. “الصيحة” جلست إليه وواجهته بالأسئلة الصعبة، وإلى مضابط الحوار…
*لنبدأ بالحديث عن الوضع الاقتصادي في السودان باعتباره الشرارة الأولى لانطلاق الثورة في السودان ؟ وهل من متغيرات منذ اندلاع الثورة؟
– هذه بداية صحيحة، الشيء المؤسف لا توجد جهة أبدت الاهتمام بالوضع السياسي لا مجلس عسكري ولا حرية وتغيير، ولا يوجد طرح محدد للخروج من الأزمة الاقتصادية أو معالجة الوضع خلال المرحلة المقبلة، وهذا سؤدي إلى كارثة، وربما بسبب عدم الاهتمام هذا نرجع إلى وضع أسوأ مما كنا عليه، وربما انقلاب جديد، الآن المجلس العسكري يتعامل بصورة أحادية مع جهة بعينها، وهذا أمر مرفوض بالطبع، وحتى المفاوضين من الخارج يتعاملون مع جهة وكأنما هي الجهة التي تمثل السودان، وتم إقصاء جزء كبير من القوى السياسية بحجج واهية، ألا وهي المشاركة في الحكومة السابقة، علماً بأن معظم الكيانات وقيادات الحرية والتغيير كانت مشاركة في النظام السابق بصورة أو بأخرى مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث، وحتى الحركات المسلحة، وهو مبرر غير مقبول وحجة واهية تم استخدامها لإقصاء الآخرين، وهذا سيقود إلى مشكلة، لأن واحداً من أسباب الثورة كان الإقصاء.
*السؤال عن الوضع الاقتصادي لا يزال قائماً كيف تنظر إليه؟
– بكل صراحة الوضع الاقتصادي الحالي، يعتبر كارثياً، الآن أكثر من ستة أشهر لا توجد ميزانية بعد توقف الميزانية الأخيرة 2019 بسبب تغيير سعر الصرف ” الدولار الجمركي” وقتها، وبالطبع أي تغيير في الميزانية من شأنه إلغاؤها، ودولة السودان منذ ذلك الوقت وهتي الآن ليس لها ميزانية ” ماشة ساكت” “رزق اليوم باليوم مثلها مثل أي طبلية”، السوق تتحكم فيه مجموعة من السماسرة والتجار ولا توجد رقابة، مما يعمل على تعقيد الوضع الاقتصادي أكثر مما هو عليه، فضلاً عن آمال وطموحات المواطن السوداني الذي تفاءل خيراً بالتغيير وضحى بنفسه، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل للحكومة القادمة حكومة “الحرية والتغيير” خطة ورؤية اقتصادية محددة، وإن كانت عاجلة للخروج من هذا النفق الاقتصادي المظلم، والذي يبدو واضحاً أنه لا توجد لديه رؤية اقتصادية، ولا يوجد من خلال طرحهم أي حديث عن الوضع الاقتصادي، كل الحديث عن الفساد والتطهير والخدمة المدنية وغيرها، وهي قضايا لا تحل المشكلة الاقتصادية الحالية، واقتصادياً نعتمد على الهبات والدول الصديقة، وهناك خلل في تركيبة الحرية والتغيير التي تتكون من 91 مكوناً ومجموعة من الأحزاب كل له رؤية لم يجتمعوا إلا على شيء واحد ألا وهو إسقاط النظام، ثم ماذا بعد، لا يوجد بعد، بدليل عدم تمكنهم حتى الآن من تكوين مكتب قيادي يقودها واللجنة التنسيقية الحالية تلعب دور المفاوض، وإذا كان تنظيم مثل هذا سوف يحكم السودان فعلي السودان السلام.
*في تقديرك ما هو المخرج من هذا الوضع الاقتصادي؟
– الوضع الاقتصادي الحالي لا نختلف حول أنه كارثي، الغلاء في الأسعار بصورة جنونية لا توجد رقابة على التجار والأسواق، وما لم يكن هناك برنامج اقتصادي وخطة واضحة لن يتعافى الاقتصاد السوداني، يجب التوجه نحو الإنتاج وخلق فرص للإنتاج، السودان دولة زراعية ولديه أراضٍ لا يستهان بها في هذا المجال “200 مليون فدان”، وإذا لم نعمل على تطوير الزراعة وإنشاء معاهد فنية في مجال الزراعة التي تعتبر من الموارد ذات العائد السريع والصناعات التحويلية، لن يكتب لنا النجاح اقتصادياً، وعلينا أن نبدأ بخطوات عملية ونتجه نحو الثقافة الإنتاجية، وخلال المرحلة القادمة إن لم تكن لدى الدولة خطة إنتاجية واضحة وتسخير كافة الامكانات نحو الزراعة أو الذهب كمورد له أهميته، إذا لم نتمكن من استغلال هذه الموارد أو إحداها لن نستطيع بناء اقتصاد، فضلاً عن تغيير الثقافة والمفاهيم وأن تكون هناك ثورة في العقول والمحافظة على ممتلكات السودان، وعدم تعطيل دولاب العمل حتى لا تكون الثورة منقوصة، وأؤكد لك ما لم تكن هناك خطة اقتصادية، وأن كانت محدودة وعاجلة نكمل من خلالها ما تبقى من هذا العام لن نسير إلى الأمام.
* هل نتوقع أن المجلس السيادي المزمع تكوينه سيتمكن من إخراج السودان من عنق الزجاجة؟
– قبل فض الاعتصام، تم التوصل إلى اتفاق تم رفضه من قوى الحرية والتغيير، وحدث ما حدث، ومن ثم الرجوع إلى ذات الاتفاق بل أقل منه، وضاعت مكاسب كثيرة، ولما كان تضييع الزمن، المهم ما هي صلاحيات هذا المجلس، هل لديه صلاحيات حكم أم هو جسم تشريفي فقط، إذا كان جسماً تشريفياً نعيب على قوى الحرية والتغيير كل التأخير الذي تم، حتى الآن تفاصيل الاتفاق غير واضحة، ونحتاج إلى تعريف به رغم أنه اتفاق إقصائي، ونطالب قوى الحرية والتغيير بأن توضح لنا برنامجها خلال المرحلة القادمة حتى يتسنى للمواطن أن يحدد موقفه مع أو ضد وفقاً لهذا البرنامج، خاصة فيا يلي الوضع الاقتصادي والعلاقات الخارجية وهيكلة الدولة المدنية وغيرها من القضايا، واختيار الكفاءات وفق معايير واضحة وليس تصفية حسابات، ونطاب المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بتحديد وتوضيح أولويات وآليات الحكومة القادمة لتطبيق أهداف هذه الحكومة حتى لا يحدث أي انهيار أو انفلات أمني.
* ماذا بشأن بناء دستور السودان؟
– بناء الدستور السوداني يتطلب مشاركة كافة القوى السياسية السودانية دون استثناء بما فيها المؤتمر الوطني، والاستماع إلى كافة الرؤى ودون ذلك سيكون دستوراً لا قيمة له، يجب الاستماع لكافة الىراء السلبية والإيجابية، وأي دستور لم يتم التعرف عليه من قبل المواطن خاصة فيما يتصل بالحقوق والواجبات وأن يكون أساس تأسيسه القوانين والمواطنة، وأن لا يطوع ويفصل حسب الفئات الحاكمة وللمصالح والأهداف والغايات الحزبية لن تكون له أدنى قيمة، ويجب التعامل بتجرد مع الدستور.
*سبق أن طالب أبو القاسم برطم بتكوين أعضاء حكومة مستقلين وبرلمانيين مستقلين، ما هي الدواعي والمبررات لتلك المطالبة؟
– فعلاً، سبق أن طالبت بذلك نسبة للتجارب السابقة، وأقول لكِ إن المستقلين يتعاملون مع الدستور والقانون بتجرد لأن الشخصية الحزبية تطوع القانون وفقاً لمصالحها الحزبية. نحتاج إلى بناء دولة مؤسسات وبناء دستور بتوافق وتراضي كافة القوى السياسية دون أي إقصاء لأي منها حتى يكون الدستور مقدساً .
*القوانين التي تحكم الآن هل هي كافية لهذه المرحلة؟
– يمكن التعامل بها، وأن يكون هناك دستور مؤقت، ودستور العام 2005 به نقاط إيجابية كثيرة يمكن التعامل بها والاستفادة منها، فضلاً عن وجود كفاءات قانونية سودانية قامت بإعداد دساتير لكثير من الدول يمكن الاستعانة بهم لعمل دستور للسودان خلال فترة وجيزة، وحتى يتم ذلك، ندعو الحكومة القادمة لبث روح التسامح ونبذ العنف اللفظي والابتعاد عن سياسة الإقصاء حتى لا تتكرر الحوادث السابقة، وهذا بالطبع لا يعني عدم محاسبة المفسدين والذين أخطأوا في حق المواطن وأن يتم التعامل معهم بالقانون، وأي تعامل ثأري سيؤدي إلى كارثة.
* أبو القاسم برطم كان نائباً مستقلاً ورئيساً لكتلة النواب المستقلين في البرلمان الذي تم حله عقب سقوط النظام السابق، من خلال عملك في ذاك البرلمان كيف تتصور شكل البرلمان القادم؟
– البرلمان السابق لم يكن برلماناً واعترضت كثيراً على أعمال البرلمان السابق، وطالبت بحله أكثرمن مرة، والبرلمان إذا لم يعبر عن المواطن وعن الشارع وقضايا وحقوق المواطن لا يصلح أن نطلق عليه اسم برلمان، وهو بدون قيمة، أما البرلمان القادمـ نأمل أن يكون برلماناً حقيقياً يعبر عن طموحات وحقوق المواطن السوداني، ويتم التعامل داخله بتجرد تام، وأن تكون مصلحة الدولة هي الأولوية والابتعاد عن المصالح الحزبية، ويسمو فوقها، وهي تجعل الحزبي يكن ولاءً للحزب أكثر من الدولة، والابتعاد عن سياسة التمكين، والمفهوم الحزبي في السودان نظرته ضيقة منذ القدم، ويتم التعامل داخله بالعاطفة.
*معلوم أن أي برلمان لابد أن تكون داخله تكتلات، وكذلك لابد أن تكون هناك كتلة لها أغلبية، أي الكتل أنفع ليكون لدينا برلمان حقيقي كما ذكرت؟
– افضل الكتل هي الكتل المستقلة لتسيير عمل الدولة قبل البرلمان، لأن أي أغلبية حزبية ستعود بنا إلى ما كان في السابق، وسيصبح البرلمان برلمان حزب، ذات السناريو السابق، وبالتالي لن يكون هناك تغيير، لذلك نطالب بأن يكون البرلمان القادم أن تكون الأغلبية فيه للمستقلين، بل ذهبنا لأكثر من ذلك من خلال رؤيتنا التي تقدمنا بها بأن يكون البرلمان برلمان تكنقراط مستقلين علمي مؤقت، يقوم بوضع القوانين بعيدًا عن أي محاصصات حزبية أو تكتلات حزبية.
*كانت لديك فكرة للترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2020 إبان حكم الإنقاذ، هل لا زالت هذه الفكرة قائمة؟
– نعم، الفكرة لا تزال قائمة، سأترشح لرئاسة الجمهورية كمستقل، والمستقلون الآن أصبحوا حزمة وكثيرين يمثلون جميع ولايات وإثنيات وقبائل السودان، مع اختلاف موعد إجراء الانتخابات وفقاً لتحديد مدة الفترة الانتقالية التي هي قابلة للزيادة أو النقصان، ونحن كمستقلين نبشر الأحزاب السياسية أنه من خلال الانتخابات القادمة “يشوفوا ليهم بلد تاني”.