سراج الدين مصطفى يكتب : أغاني الربابة.. صراع المركز والهامش!!
13 نوفمبر 2022م
(1)
في السنوات القليلة الماضية انتشرت بشكل مكثف وواضح بعض الفرق الغنائية الشبابية التي تعتمد في تكوينها الجماعي على نمط غناء ما يعرف بحقيبة الفن .. وهي مرحلة مهمة من تاريخ الغناء السوداني بدأت مع مجيء الشاعر والفنان (محمد ود الفكي) من مدينة عطبرة وتأسيسه لهذا النمط الغنائي في بدايات القرن العشرين ثم ظهر بعده المغني الحاج محمد احمد سرور والذي بدوره قام بالبناء الرأسي على أساس محمد ود الفكي ثم جاءت مرحلة الفنان (كرومة) والذي يعتبر صاحب مدرسة خاصة في الأداء التعبيري وأسلوبية خاصة في التلحين اكتشف الخبراء لاحقاً بأنه أضاف أشكالا لحنية جديدة كسر بها الأنماط اللحنية الدائرية.
(2)
ثم تلاحقت الأجيال الغنائية بعد ذلك على ذات النسق والنمط الى أن ظهر الفنان (عبد الحميد يوسف) وهو يقدم نموذجا غنائيا جديدا مختلفا كليا عن أغاني الحقيبة ذات الألحان الدائرية والتي كانت عبارة عن ترديد (الكورس) لذات ما يقوله (المغني) ولكن عبد الحميد يوسف في أغنية (غضبك جميل زي بسمتك) التي كتبها الشاعر (حميدة أبو عشر) قام بتغيير ذلك المنهج كليا حيث لا تردد الفرقة الموسيقية ما يقوله المغني بإدخاله لميلودية مختلفة ولازمات موسيقية ما بين الكلمات.
(3)
لذلك يعتبر الفنان عبد الحميد يوسف هو رائد التجديد الموسيقي في الأغنية السودانية والتي استمرت على ذات النسق الى ما يقارب المائة عام .. ولكن حدث ما هو أقرب (للنوستالجيا) بعودة نمط الغناء الحقيبي للسطح مرة أخرى متبوعاً بظاهرة غناء الربابة وهذه العودة للنمط التقليدي القديم يمكن تفسيرها على عدة أوجه يأتي في أولها أن الموسيقى الحديثة أو الأغنية السودانية أو ما يُعرف بغناء الوسط والبعض يسميها (أغنية أم درمان) هذا النمط فشل في تقديم خطاب غنائي يداعب كل الأمزجة وانحصر فقط لأهل المدينة وأهمل الهامش والأطراف.
(4)
ومع انتشار التكنولوجيا حدث ما هو أشبه بالثورة على الموسيقى الحديثة والتي فشلت في تلبية جميع الأشواق والأذواق .. وما يحدث حالياً من انتشار لأغنية الربابة يمكن توصيفه بأنه صراع (الهامش والمركز) وهو صراع قديم متجدد يتمظهر في عدم اهتمام جميع الأنظمة بالهامش من حيث الخدمات الحياتية أو حتى على مستوى الأجهزة الإعلامية التي تتحرك في جغرافيا محدودة، ولكن مع تغير هندسة المفاهيم وإحداثيات التطور في ظل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي وجدت أغنية الربابة منبرا واسعا وغير محدود استطاعت به أن تعبر للجميع وأن تثبت وجودها كنمط غنائي يستحق الإنتباه والالتفاتة .. وهو ظاهرة تؤكد على سطوة تلك الوسائل وقدرتها على الاختراق وتكسير المفاهيم القديمة ولعل نماذج مثل الفنان (أبو القاسم ود دوبا) و(بله ود الأشبه) تظل نماذج حية وماثلة أمامنا على سطوة غناء الربابة ومدى قدرته في تكوين قاعدة معجبين عريضة اجتاحت حتى المدينة مع سهولة الوصول للمنتج الغنائي.