الآلية الثلاثية.. إصرار للوصول إلى حل؟
تقرير- مريم أبَّشر
تعقيدات الوضع السياسي، المصحوبة بتعقيدات أكثر حدة في الأوضاع الاقتصادية مع تنامي ظاهرة الانفلات الأمني ما برحت يزاد خناقها على البلاد يومياً من كل الاتجاهات، وينعكس ذلك بصورة أكثر وضوحاً على المواطن السوداني في معاشه وأمنه وسلامته .
فمنذ صدور قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، التي هدف من ورائها رئيس المجلس السيادي تصحيح مسار الثورة، دخلت البلاد في دوامة عنف وتجاذبات سياسية وأمنية راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد، وعدد كبير من الجرحى والمصابين، ورغم بروز العديد من المبادرات الوطنية والأجنبية، إلا أن جميعها لم يفلح في تقريب شقة الخلاف بين القوى الثورية المدنية والشق العسكري، هذا فضلاً عن التباين الكبير واختلاف الكتل الحزبية والمدنية وقوى الثورة الحيَّة في وجهات نظرها للحل ورؤيتها للدولة المدنية الديموقراطية التي من أجلها قامت الثورة, غير أن الوثيقة الدستورية للمحامين على الرغم من تحفظ بعض القوى السياسية عليها، تعد أكثر وثيقة للحل السياسي وجدت القبول والرضى من قبل عدد كبير من القوى السياسية المكوَّنة لمركزية قوى الحرية و التغيير والقوى السياسية الأخرى وباركتها الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية واعتبرتها إطاراً مقبولاً للحل وكثف عدد من السفراء تحركاتهم باتجاه إيجاد أكبر أرضية للتوافق السياسي حول جعل وثيقة مشروع الدستور الانتقالي للمحامين إطاراً مناسباً لبداية جولات للتفاوض بين الفرقاء بغية إيجاد مخرج للأزمة السياسية في السودان .
تسريبات
وحملت الأيام الماضية كثير من التسريبات أشارت إلى أن مباحثات عديدة في الغرف المغلقة, عقدت بين المكوِّنين المدني والعسكري بتسهيلات الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية وأن كثيراً من التفاهمات والتقارب حول القضايا الخلافية تمضي بصورة جيِّدة وسلسة, وذلك خلافاً لما يعلنه الطرفان بالنفي وأن ما يثار حول اللقاء غير صحيح .
في ذات الوقت وجهت بعض القوى السياسية انتقادات للآلية الثلاثية والفاعلين الدوليين في المشهد السياسي السوداني بأنهم يمليون لبعض القوى السياسية و يتبنون مواقفها دون أخرى، بل أن بعضهم وجه انتقادات للآلية بأنها تعمل على عرقلة مسار التوصل لحل سياسي يفضي لقيام حكومة لإكمال الفترة الانتقالية و إنهاء الأزمة، ولعل التظاهرات التي نظمتها بعض القوى السياسية المحسوبة على العهد البائد طالبت صراحة بطرد رئيس الآلية فولكر، واتهمته بأنه حاكم جديد للاستعمار في السودان .
كسر الجمود
برغم الانتقادات إلا أن الآلية دخلت بصورة مباشرة في مساعي رسمية لإنهاء الأزمة التي تطاول أمدها وذلك بدفعها لمقترح لبدء المحادثات الرسمية بين الأطراف السودانية وتشمل المجلس المركزي والمكوِّن العسكري وأطراف العملية السلمية وتتسع لاحقاً لتضم قوى ثورية أخرى.
ومع إعلان مقترح بدء التفاوض، تجدد التفاؤل والأمل مرة أخرى لدى الأوساط السياسية السودانية بانتهاء حالة الجمود التي لازمت الأزمة السودانية منذ إعلان الانقلاب. ينتظر أن يشهد منتصف نوفمبر الجاري (إذا سارت الأمور وفق ما ترغب الآلية) اختراقاً كبيرًا في الأزمة السياسية بجلوس طرفي الأزمة لتحديد آلية الحوار المباشر، وفق رؤية الآلية الثلاثية لبدء المحادثات الرسمية، إذ تشمل في المرحلة الأولى المجلس المركزي والمكوِّن العسكري وأطراف العملية السلمية، وتتسع لاحقاً لتضم قوى ثورية أخرى، غير أنه وبالمقابل تتمسَّك لجان المقاومة وقوى الثورة الحيَّة الرافضة للشراكة مع العسكرية والمتمسكة بمدنية الدولة وخروج العسكر من العملية السياسية ورجوعهم للثكنات وتواصل وبشكل راتب التصعيد والتظاهرات والإضرابات وصولاً إلى العصيان المدني ضمن آخر مرحلة من مراحل إسقاط الأنظمة، كما أعلنوا مراراً وتكرارًا .
ويأتي الإعلان عن اعتزام الآلية بدء التفاوض المباشر بين فرقاء الأزمة السودانية، وسط حالة من الارتياح إلى حد ما، لدى قوى الشارع الثوري، باتخاذ الحكومة إجراءات مشدَّدة ضد عناصر النظام السابق وإرجاع المتهمين في محكمة انقلاب الثلاثين من يونيو، للسجون، وكشف رئيس مجلس السيادة عن دخولهم في مباحثات مع بعض شباب الثورة الذين قال إنه لمس فيهم حبهم للوطن .
استباق
ومثَّل الإعلان الذي أطلقته الآلية الثلاثية باستئناف جولات جديدة من مشاورات الحوار غير المباشر بين فرقاء الأزمة السياسية في الأيام القليلة القادمة، بهدف توسيع قاعدة التوافق حول مقترح دستور نقابة المحامين الانتقالي كأرضية للحوار، بارقة أمل في مشوار استكمال مشاورات تحديد آلية الحوار المباشر في منتصف نوفمبر الحالي، تمهيداً لإطلاق عملية سياسية جديدة.
وكشف قيادي بالحرية والتغيير لـ(الصحية) أن شوطاً كبيرًا من التفاهمات قد قطع وأن كل الأطراف عرضت ملاحظاتها على مشروع الوثيقة الدستورية للمحامين، لافتاً إلى أن الخلافات ليست بالكبيرة ويمكن للأطراف التوصل لحلول وسطى مرضية حولها.
وتشير المعلومات إلى أن الآلية اقترحت أن تقتصر المرحلة الأولى من الحوار على المجلس المركزي لهذه القوى، المكوِّن العسكري وأطراف عملية السلام من قوى الثورة، على أن تنضم للمرحلة الثانية من المحادثات المرتقبة قوى جديدة تشمل المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني وجماعة “أنصار السنة”.
وبحسب مصادر إعلامية فإن العملية السياسية التي يجري التمهيد لها تختلف عن سابقتها، ومن المنتظر أن تقوم هذه المرة على ثلاثة محاور تتمثل في مرحلة المشاورات الأولية الراهنة ثم تعقبها ورقة شاملة تتضمَّن رؤى وملاحظات كل الأطراف المعنية بالحوار، لتشكل هذه الورقة منطلقاً للحوار السياسي على خلفية موافقة المكوِّن العسكري عليه وأن هذه الجولة تركز على مبدأ الحل الشامل المطلوب التوافق والمفضي لخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي وتسليم قيادة البلاد لحكومة مدنية يتم تشكيلها بوجود المكوِّن العسكري ومجلس السيادة الحالي، كآخر مهمة لهما ينتهي بعدها أي دور لها بحل المجلس وذهاب العسكريين إلى مجلس الأمن والدفاع تحت إشراف رئيس الوزراء المدني فور توقيع الاتفاق بين الأطراف المعنية. وقطعت المصادر بأن نقاط الالتقاء فيما تضمنه مشروع الوثيقة الدستورية للمحامين أكبر بكثير من نقاط الاختلاف .
تضييق الخناق
وفي وقت أصبحت فيه حتمية بدء جولات التفاوض بين المكوِّن العسكرى والمدني واتساع دائرة الدخول تحت مظلة الجولة وفق مشروع مسودة وثيقة المحامين، كشف قيادي بالحرية والتغيير عن محاولات كبيرة من قبل فلول النظام البائد وما أسماه بأدواته الحزبية يمثلون خطراً على استئناف مشاورات الحل السياسي للأزمة، وقال القيادي بحزب الأمة وعضو مركزية قوى الحرية والتغيير آدم جريجير، أن تاريخ استئناف التفاوض يمثل مقترح أولى من قبل الآلية قبل التعديل تقديماً وتأخيراً، وأضاف جريجير لـ(الصيحة) أن الترتيب يمضي بصورة جيدة، وأضاف أن القوى التي وافقت و انضمت للدخول في جولات التفاوض كبيرة جداً وأن هنالك مجموعات مقدرة من لجان مقاومة وقوى مدنية وافقت على المشاركة، وترى أن التفاوض أصبح هو الخيار الأفضل، وكشف جريجير عن بعض التسريبات تشير إلى أن محاولة انقلابية كان قد تم إحباطها خلال الأيام الماضية، واعتبر تشديد الإجراءات على قيادات حزب المؤتمر الوطني وإدخال بعضهم السجون، ومنع آخرين من السفر جاءت إثر تخوُّفات من قيامهم بأعمال من شأنها عرقلة مسار التفاوض، ونبَّه جريجير إلى أن الفلول والأحزاب الموالية لها باتوا يشكلون خطراً على الحراك الذي يمضي حالياً، لافتاً إلى أن المكوِّن العسكري وافق على اعتبار مشروع وثيقة الدستور التي أعدها المحامون تمثل الأساس للحل، ونفى القيادي بالحرية والتغيير الاتهامات الموجهة للآلية الثلاثية بأنها تنحاز لبعض قوى الثورة دون غيرها، منبِّهاً إلى أن الاجتماعات التي عقدتها الآلية مع بعض القوى برهنت على أن النظام القديم يحاور نفسه وأن لا وجود للقوى التي قادت التغيير بينهم، و أضاف من الطبيعي أن تنحاز الآلية لقوى الثورة.