خطاب الكراهية.. عندما تتحوَّل الكلمات إلى رصاص قاتل
الخرطوم- صلاح مختار
خطاب الكراهية ظاهرة مجتمعية انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة في السودان, لاحظنا نتائجه الكارثية في عدد من الولايات خلال السنوات الأخيرة, وفي العام المنصرم فقط هنالك أكثر من (6) نزاعات قبلية سببها كان خطابات كراهية, ربما السبب ليس فقط الخطاب السياسي وإنما التناول الإعلامي كما يراه البعض ساهم في تغذية تلك المشاعر, مما شكَّل خطراً أدى للتحريض على العنف. ويعزو البعض الظاهرة إلى منطلق الجهل قد لا يقصد من التناول الإعلامي جريمة تصل حد التحريض بالدرجة الأولى، ولكنها الكلمة كالرصاص يطلقها القاتل دون أن يشعر بها، ولكن بشكل أو آخر تؤدي لنفس النتيجة. ويحمِّل البعض الإعلام المسؤول الأول عن التوعية بخطورة خطاب الكراهية مما يوجب عليه ردع أشكال الخطابات التي تستخدم أفكاراً عدوانية أو تحرض على العنف والكراهية. فالحرب أدواتها ليست الرصاص فحسب, ولكن بالكلمة يمكن أن تقتل شعباً.
الدور السالب
خبراء قانونيون يرون أن معظم الصراعات والنزاعات القبلية بدأت بخطاب الكراهية التي انتشرت بسبب الدور السالب الذي تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الصراعات. وبالتالي يرون أن الوضع في السودان الآن يتطلب تحرُّك سريع على مستوى التشريعات وعلى مستوى السياسات العامة وعلى مستوى التدابير والإجراءات الإدارية لوأد تلك الظاهرة والحد من انتشارها، وأكدوا أن خطابات الكراهية صارت مهدِّداً أمنياً واجتماعيًا واقتصادياً وسياسيًا، وصارت كذلك تهدِّد حقوق الإنسان وتهدِّد تماسك المجتمع وسلامته وأمنه واستقراره.
مصطلح فضفاض
“خطاب الكراهية كان مقدِّمة للجرائم الفظيعة، بما في ذلك الإبادة الجماعية التي حدثت في بعض الدول، مثل: رواندا, ربما لأن المصطلح كما يراه بعض القانونيين بأنه حقوقي فضفاض يمكن أن يُعرف بكونه أي “عبارات تؤيد التحريض على الضرر حسب الهدف الذي تم استهدافه وسط مجموعة اجتماعية. ولكن القانوني إبراهيم آدم إسماعيل، يرى أن الخلط يرجع إلى أن خطاب الكراهية يندرج في مركبات حرية التعبير وحقوق الأفراد والجماعات والأقليات ومبادئ الكرامة والحرية والمساواة. ولذلك يأتي مصطلح خطاب الكراهية، لأن إبراهيم كما يقول لـ(الصيحة) بقوانينه الدولية والمحلية يفرِّق بين حق الرأي وحق التعبير عن الرأي، ولا يضع أي قيد على حق الرأي ويجعله مطلقاً, ولكنه يضع قيوداً وضوابط على التعبير عن هذا الرأي، فهناك قيود منها احترام حقوق الآخرين وحماية الأمن القومي. لذا من المهم أن ينبع مسوَّغ قوانين خطاب الكراهية باعتبار الخطاب المفعم بالكراهية يتعارض وقيم التسامح والعيش المشترك التي تحتاجها الجماعات البشرية. وأرجع ما يحدث في السودان إلى الفراغ الذي حدث بعد الثورة والغبن الذي كرَّسته الإنقاذ خلال الثلاثين عاماً، الماضية مما أتاح للبعض الخروج عن الدولة. كذلك ضعف القوانين وظهور الثروات في باطن الأرض والرجوع إلى المنطقة والقبيلة، كلها عوامل ساعدت في انتشار الظاهرة، وبالتالي لابد من قوانين للدولة تجرِّم تلك الظواهر وتشدد العقوبة، ورأى أن الظاهرة سريعة الانتشار في المجتمعات الفقيرة والتي لم تحظ بمستوى تعليمي كبير.
أرضية خصبة
ويرى أحد قيادات دارفور يدعى الرشيد أحمد، أن تداعيات الحرب العالقة في نفوس المواطنين كالشعور بالظلم والقهر والانتهاكات التي يشعر بها الإنسان خلال فترة ما، بعد الحرب تؤثر في مسيرة حياته مما تشكِّل أرضية خصبة لانتشار خطاب الكراهية بين مكوِّنات المجتمع المختلفة. وأضاف لـ(الصيحة) أن الشارع السودان في الآونة الأخيرة شهد تنامي لخطابات الكراهية التي ساعدت في نشرها وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت سلاحاً ذو حدين، خاصة في المناطق ذات الهشاشة الأمنية كدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وقال: ما لم يتم تدارك هذه الهشاشة سوف تتنامى خطابات الكراهية وتتوسع دائرتها ويمكن أن تكون لها امتدادات داخلية وخارجية.
تغيير شامل
ورغم أن القوانين الدولية تُحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تُشكل تحريضاً على التمييز أو العدواة أو العنف. إلا أن الكاتب محمد عبد الرحمن الناير، يرى في مقال منشور على موقع (التغيير) ما يحدث في السودان, حيث يقول بعد ثورة ديسمبر 2018م، انعقدت آمالٌ عريضة بأن يكون هنالك تغييراً شاملاً في بنية الدولة والمجتمع، واستغلال الفرصة التاريخية في معالجة الأزمة الوطنية عبر منهج صحيح يشارك فيه جميع السودانين، والاستفادة من كافة الأخطاء السابقة التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة، وأن يتوافق السودانيون على حكومة انتقالية مدنية تقود السودان إلى المستقبل، وبناء دولة سودانية تكون فيها المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات، ولكن للأسف أن كل هذه الآمال قد ذهبت أدراج الرياح.
الاختطاف والخيانة
ولكن الناير، يرى أن السودان لا يزال في المحطة الأولى بعد الاختطاف والخيانة التي تعرّضت لها الثورة، في ظل الأجواء الثورية وعلو شعارات الوحدة الوطنية والوجدان السوداني، تصاعدت خطابات موغلة في الكراهية والقبلية والمناطقية والجهوية، وقال: هذه الخطابات ليست ضد الثورة وحسب، بل ضد السودان ووحدته وسلامة أراضيه، ويمكن اعتبارها مقدِّمة لتفتيت السودان إلى دويلات متنازعة، فلا يمكن تجاهل الأطماع الإقليمية والدولية والمخططات الخبيثة التي تقوم بها بعض الجهات الداخلية والخارجية لتنفيذ هذا المخطط, الذي يتلاقى مع الدوائر الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تقسيم السودان وتفتيت القارة الأفريقية “صراع السيطرة على الموارد “، فليس من قبيل المصادفة أن يكون معظم مثيري خطاب الكراهية من خارج السودان، وفي دول ذات ديموقراطية راسخة.
عمل منظَّم
ولفت الناير في منشوره الأنظار إلى أن تصاعد خطاب الكراهية والقبلية والمناطقية هو مقدِّمة لتفتيت السودان، وقال لا يخالجني أدنى شك بأن هنالك عملاً منظماً تديره بعض الجهات الداخلية ومخابرات بعض الدول، لتحقيق هذا المخطط الذي يتم تهيئة وإعداد مسرحه بعمل منظم ومرتب عبر “السوشيال ميديا” وكافة الوسائط. وأكد أن كل الجرائم التي ترتكب أو النزاعات القبلية الموجّهة، والمطالبات بولايات “قبلية” وغيره، تقف وراءها جهات معينة لتحقيق أهداف محدَّدة، وللأسف يجري تنفيذها بأيادي سودانية. إن الصمت “الرسمي” وعدم ابتدار أي ملاحقات قانونية ضد كل من يثير الكراهية العرقية والمناطقية، رغم أن هكذا خطاب يُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في أي دولة من دول العالم، يؤكد بجلاء ثمة العلاقة التي تجمع بين مثيري هذه الخطابات وبعض الجهات التي تعمل على تفكيك السودان.
شجب الدول
المعروف أن القانون الدولي يحمي حرية الحديث ويطلب حظر التعبير الذي يحرِّض على التمييز أو الأعمال العدائية أو العنف، ففي المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري نجد أنها شدَّدت على ضرورة شجب الدول، جميع الأطراف وجميع أشكال الدعاية والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوُّق أي عرق. وقال رئيس المفوِّضية القومية لحقوق الإنسان د. رفعت ميرغني عباس، لـ(سونا)، لابد من وضع ضوابط فيما يختص بحرية التعبير وعدم المساس بسمعة الآخرين وشرفهم ومراعاة الأمن العام والأمن القومي والصحة العامة، كما يجب أن لا تتعارض حرية التعبير مع أي حق من حقوق يعترف بها القانون الدولي وحقوق الإنسان. بدورها دعت الأمين العام للمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة الدكتورة رحاب مصطفى، الأجهزة الإعلامية والقائمين على أمر الإعلام بالانتباه لما يتم نشره أو بثه، مشدِّدة على ضرورة أن يضطلع الإعلام بدوره ويبتعد عن تصعيد خطاب الكراهية والعمل على نشر الوعي وسط المواطنين والتنبيه للآثار السلبية لخطاب الكراهية.