الميزان التجاري.. مزيد من العجز
الخرطوم: جمعة عبد الله 9 نوفمبر 2022م
وفقاً لبنك السودان المركزي، فقد سجل عجز الميزان التجاري أعلى ارتفاع له خلال الربع الثالث من العام المالي الجاري 2022، وبلغ 3.5 مليار دولار، وبلغت قيمة واردات البلاد من السلع الخارجية خلال الفترة من يناير وحتى سبتمبر الماضي أكثر قليلاً من 7.1 مليار دولار، وهو أعلى رقم تسجله الواردات هذا العام، بحسب ما ذكره الموجز الإحصائي لتجارة السودان الخارجية الذي يصدره بنك السودان المركزي، كما تدنت الصادرات إلى أدنى مستوى لها ببلوغها حوالي 3.6 مليار دولار، مما يعني أن ما تم تصديره خلال الربع يوليو سبتمبر حوالي 600 مليون دولار، وكانت صادرات السلع السودانية ضمن التجارة الخارجية للبلاد خلال فترة النصف الثاني أي من يناير- يونيو، بلغت 2.9 مليار دولار، والواردات حوالي 4.4 مليار دولار، والعجز في الميزان التجاري أكثر من 1.5 مليار دولار.
مسببات العجز
يشير الباحث الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، إلى أن قطاع التجارة الخارجية يقوم بدور مهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتصحيح العجز المستمر في الميزان التجاري، بيد أنه أشار لمواجهته العديد من المشكلات التي حالت دون تطويره والنهوض به بشكل أفضل، وأشار إلى أن ضعف التمويل من أهم مشاكل القطاع، وأوضح أن واقع الاقتصاد السوداني يكشف الفجوة الخارجية الناتجة من عدم وجود صادرات توازي الواردات، وأضاف: بالتالي من الأهمية العمل على إزالة العوائق أمام الصادرات السودانية، داعيا إلى إصلاح موانئ البلاد البرية والبحرية والجوية وتطويرها حتى تبلغ الكفاءة العالية، وطالب بضرورة إصلاح التعرفة الجمركية وضريبة التنمية، قائلاً: على أن تتطابق الضريبة الإضافية التي تفرض على الواردات مع الضريبة المفروضة على السلع المنتجة محلياً، وقال: إن الإصلاحات النقدية والمالية التي جرت مؤخراً غير كافية، مشدداً على ضرورة إحداث نقلة نوعية في هذا الجانب.
سياسات تمويلية
في السياق أضاف د. هيثم أن حجم التمويل المصرفي لتطوير التجارة الخارجية والنسبة المخصصة من هذا التمويل لتمويل هذا النشاط لا تتناسب مع حجم السلع التي يمكن تصديرها أو استيرادها، وألمح إلى أن هناك تأثير واضح لكفاءة صيغ التمويل على حجم التجارة الخارجية، مما أثر سلباً على عملية تمويل هذا القطاع، معضداً على أن تتخذ الدولة خطوات سريعة وجادة، موضحاً من أبرزها وضع سياسات تمويلية تشجيعية تساعد على النهوض بقطاع الصادرات الذي ظل لسنوات عدة يعاني اختلالات هيكلية، كما لا بد من توفير التمويل المصرفي الكافي لسلع الصادرات السودانية حتى تستطيع النهوض وتأخذ موقعها في الأسواق العالمية، ولفت إلى إنه من غير المعقول أن تكون واردات السودان من السلع الغذائية تشكل أكثر من 25 في المئة من إجمالي الواردات في بلد يفترض أن يكون سلة غذاء العالم.
الاستيراد والتصدير
وقال تشكلت غالبية سلع التجارة الخارجية في هذه الفترة في حالتي الاستيراد والتصدير من السلع والمواد الغذائية الخام والمصنعة، ولفت إلى تقدُّم الذهب صادرات تجارة السودان الخارجية للفترة المحددة، وبلغت قيمة عائدات صادرة أكثر من نصف قيم السلع السودانية الأخرى جميعاً بما فيها أهم السلع الزراعية الاستراتيجية البارزة، وزاد قائلاً: فقيمة الذهب الذي تم تصديره زادت بأكثر من «720» مليون دولار، لحوالي «11.986» كيلو جرام، فيما بلغت صادرات الصمغ العربي «29.678.000» دولار أمريكي، وهو قيمة «24.8» ألف طن متري، وصادرات القطن «115.3» مليون دولار، حيث صدرت البلاد حوالي «53.328» بالة قطن، وناشد بضرورة أن تضع الدولة معالجات متوسطة وبعيدة المدى لزيادة الإنتاج والإنتاجية بهدف زيادة حجم الصادرات وإحلال الواردات وتقليص حجم العجز في الميزان التجاري، ونادى بالتحوُّل نحو الاقتصاد القائم على المعرفة حتى تستفيد المنتجات السودانية من القيمة المضافة العالية بدلاً عن تصديرها كخام.
تقليل الواردات
ويرى د. هيثم أن الميزان التجاري هو عامل لتسوية ميزان المدفوعات خاصة مع وجود عجز مستمر في الميزان التجاري السوداني منذ أن فقد السودان صادرات البترول منذ انفصال جنوب السودان، وقال: لابد أن يعمل البنك المركزي على تحديد سعر صرف مناسب وتقليل التذبذب فيه، وحث على ضرورة العمل على تقليل الواردات والتركيز على إستيراد مدخلات الإنتاج، والعمل على زيادة الصادرات وتحديدا الصادرات المصنعة بدلاً من تصدير المواد الخام، وأمَّن على ضرورة الإستغلال الأمثل للموارد المحلية وتشجيع الإنتاج المحلي.
ركود اقتصادي
ويعتقد الاقتصادي الفاتح عثمان أن ارتفاع الواردات جاء بسبب دخول الاقتصاد السوداني في حالة ركود اقتصادي تسبب في إغلاق أكثر من (90%) من القطاع الصناعي مع ارتباك كبير في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية بسبب اشكاليات تتعلق بقطاع الصادر الذي حاولت وزارة المالية وضع ضوابط مشددة له فنتج عنها تراحع الصادر لأن الصادر اصلا غير منظم ويفتقر للقدرة على ولوج السوق العالمية والإقليمية بسهولة ولذلك يميل للتصدير إلى نفسه أي إلى اسم تجاري يمتلكه في دولة إقليمية ومنها يقوم بالبيع للشركات الدولية والإقليمية بشكل مباشر بدلاً عن البيع لها من السودان مباشرة.
منوِّهاً إلى أن وزارة المالية ووزارة التجارة كان يفترض قبل إيقاف الصادر غير المنضبط معالجة كيفية تسويق المحاصبل الزراعية والحيوانية وبناء شركات صادر كبرى أو استجلاب الشركات الأجنبية للشراء بشكل مباشر من الأسواق السودانية مع التفاهم معها للعمل وفق الضوابط التي يراها بنك السودان المركزي ووزلرة التجارة.
التراجع الكبير كان في قطاع الثروة الحيوانية أولاً ثم في السمسم والفول السوداني فعلي سبيل المثال تراجع صادر الإبل إلى كل من مصر وليبيا وتراجع صادر الماشية ولحومها إلى مصر وتراجع صادر الضان والماعز إلى دول الخليج، لأن الصادر كان يتم في جزء كبير منه مع القطاع الخاص غير المنظم في السعودية بينما أدت محاولات منع شركات الاستيراد من تصدير السلع والاستفادة من قيمة الصادرات لاستيراد السلع لتقليل الحجم الكلي للصادرات، لأن شركات الصادر معظمها لا يمتلك الموارد المالية ولا اللوجستية التي تمكنه من التعامل بيسر مع الأسواق العالمية والإقليمية.