* حالة التّرقُّب والانتظار لتوقيع الشريكين العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير على وثيقة الاتّفاق بينهما قد طَالَت وتمدّدت لأيّامٍ وليالٍ، وربّما طَالَت أكثر، وزَادَ الخَوف من نُشُوب خلافات يدفع ثمنها البُسطاء والمَساكين الحَالمون بوطنٍ حُـــــرٍّ ديمقراطي.
* التّطاوُل في التّفاوُض الحالي يعود في الأساس لدخول الطرفين في لجّة قضايا شَائكة ومُعقّدة بعد أن كان مُنتظراً التوقيع فقط على اتّفَاق تقاسُم السُّلطة وتحديد فواصل بين ما هُو سياديٌّ ومَا هو تنفيذيٌّ، ولكن فجأةً اكتشف الشريكان حاجتهما لإعلان دستوري بديل لدستور 2005 الذي تمّ إلغاؤه بِدُون مُبرِّرات، ورفض الطَرفان نصائح الخُبراء والمُختصين في صناعة الدّساتير باعتماد الدستور الانتقالي 1985 وتركت البلاد بلا دستورٍ، وخرجت المَراسيم الدستوريّة كفاحاً بلا سَندٍ ومَرجعيةٍ، إلا الثورية التي تَأبّطها المجلس العسكري لمدة ربع عامٍ.
* وبدخول المُفاوضات في (الغريق)، وبعد أن تمدّدت مُهمّة المبعوث الأفريقي محمد حسن ود لبات وبَاتَ وَصِيّاً علينا، يلعب ذات الدور الذي كان يُؤدِّيه رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المُستوى ثابو أمبيكي، بل الرجل الموريتاني يَسعى الآن للحُصُول على صفة مَبعوثٍ دَائمٍ للاتحاد الأفريقي بديلاً لأمبيكي، ووجد هواه في الرفاق الشيوعيين ورفع الكلفة، وبَاتَ كأنّه والٍ حميمٍ لليساريين، يُسامرهم ويُؤانسهم ويرقص في أفراحهم، وعكف الرجل بهمّةٍ وحماسٍ لصياغة وثيقة دستورية علمانية كاملة لينشب الخلاف عميقاً جداً، لأنّ الإعلان الدستوري هو في الواقع دستورٌ لحكم الفترة الانتقالية تمتد لثلاث سنوات وهي من أطول فترات الانتقال التي سَتشهدها بلادنا، ولأنّ الدستور حتى ولو كان مُؤقّتاً وانتقالياً من القضايا التي تُثير الخلاف بين القِوى السِّياسيَّة وحتى داخل الحزب الواحد تتعدّد الرُّؤى وحول الدساتير، وما يجري اليوم من تَبَايُنٍ في المواقف من الوثيقة الدستورية أمرٌ طبيعيٌّ، بل غير الطبيعي أن لا يعترض على الوثيقة أحدٌ.
* وكان حريٌّ بالشّريكين، أي العسكري وقِوى الحُرية والتّغيير إشراك الآخرين من القِوى السِّياسيَّة في أمر الدستور الانتقالي الذي يَهم جميع الناس وليس الشّريكين وَحدهما، ومَهما ادّعت قِوى الحُرية والتّغيير من امتلاك للقِوى الشعبية، فإنّ الحق يعلو على القِوى وحَق المُشاركة في وَضع الدستور لا تَستطيع قُوةٌ في الأرض سَلبه وتَجاوُز كل القِوى الإسلامية في الشارع، والقِوى الوسطية مُمثلةً في الاتحاديين والقِوى الجهوية وحاملي السلاح وحَصر قَضية تُهم كل الناس في اليسار وحده ويسار حزب الأمة وواجهات الحزب الشيوعي من القضارف مدينتي إلى منبر المنبرشات وبقية التّكوينات الورقية.
* إنّ قضية الدستور الانتقالي تتطلّب مَزيداً من الصبر والحوار والبحث والتّأنِّي، وليس العجلة وحياكة الوثيقة على طريقة الترزية يوم الوقفة، وأمس تَحَدّثت طويلاً مع الشاب الاتحادي جعفر حسن، وهو شابٌ مُستنيرٌ جداً حول هذه المقاصد، ووجدته مُتَفهِّماً لطبيعة المرحلة وأكثر قَلقاً من حَالة الانتظار التي يَعيشها الشّارع لقضيةٍ شَائكةٍ ولا يُمكن (كَلفتتها) كَيفما اتّفق لتبدأ فترة انتقالية عَرجاء عَاجزة عن البُلوغ ميس الانتخابات كما كَانَ يُردِّد الإمام الصادق المهدي حينما حاصرت حكومته المُشكلات بعد انتخابات 1986م.