ذكريات الخريف
*في صباح أحد أيام الجُمع كنا نجلس نحن مجموعة من شباب القوز على رصيف شارع الغابة الذي ازدحم بالحركة المرورية، حيث لا يتسنى لنا مثل هكذا جلسات عند صباح كل جمعة لنعود بالذاكرة الى سنين خلت كنا نلهو في الرمال المرطبة برذاذ الأمطار في المساحة التي عُبّد فيها الطريق الاسفلتي القائم الآن.
*كنا نجلس على حجارة كبيرة وضعت على حافة “خور” قديم دفنته الرمال أمام المنازل المطلة على الشارع الرئيسي، فقال صديق لنا أتذكرون هذا المجرى عند فصل الخريف، وكيف كانت المياه تنساب خلاله بسلاسة نحو “خور الحكومة”، والأخير هذا اسم أطلقناه أو وجدناه كذلك منذ أيام الطفولة وهو مجرى كبير مبني بالمواد الاسمنتية تتجمع عنده مياه الأمطار من معظم أحياء الخرطوم “المحلية”، لتذهب إلى النيل الأبيض على أطراف حي الرميلة.
*قلت لهم نعم أتذكر هذا وتلك المجاري الصغيرة التي كانت تخرج من كل شارع لتغذي هذا الخور “المدفون” بالمياه، ولم نكن نحتاج إلي دقائق معدودة من توقف هطول الأمطار لنلعب في الشوارع بفرح غامر.
*لم نكن نحمل هماً في ذاك الزمان لإغلاق الشوارع بالمياه وتأثر المنازل الضعيفة البنيان بالأمطار الكثيفة، فالدولة كانت تعي مسئوليتها تماماً تجاه الرعية وكانت عمليات النظافة والتطهير تتم قبل حلول فصل الخريف بوقت كافٍ.
*قادنا الحديث إلى نقطة مهمة جداً وهي أن السودان والخرطوم تحديداً تزداد تخلفاً كلما تقدم الزمان، وهذا عكس ما يحدث في عواصم العالم الأخرى حتى الأفريقية منها.
*أصبحنا الآن نهم لهطول الأمطار ونخشى من المياه الكثيفة في الشوارع حيث لا تجد مجرى تتجه إليه وأصبح النيل يشتاق إلى مياه الأمطار التي تأتي من الأحياء المختلفة.
*كتبنا كثيراً عن ضرورة الاستعداد المبكر للخريف وفي كل عام تذهب كتابتنا أدراج الرياح ومع هطول أول قطرة مطر تتشكل غرف الطوارئ وتصرف الأموال من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
*بالأمس كنا في جولة صغيرة برفقة الإخوة في وزارة البنى التحتية للوقوف على الأعمال في بعض المصارف الكبيرة التي شارفت على الانتهاء، فقلنا لهم “نرجو أن يتغير الحال عن السنوات السابقة في هذا الفصل الجميل”.
*عند مصرف البحوث بمنطقة بحري قدم لنا مدير مصارف بحري عوض الله عمر شرحاً وافياً عن المصرف الضخم الذي توقع أن ينهي معاناة الكثير من المناطق في الخريف، وقال لنا إن هذا المصرف يعتبر ضمن الخطة الاستراتيجية لولاية الخرطوم لمجابهة الخريف.
*خلاف هذا المصرف هناك العديد من المصارف الضخمة التى يجري العمل فيها بإشراف البنى التحتية وجميعها تندرج تحت الخطة الاستراتيجية، ومؤكد هناك خطة إسعافية للخريف، ونرجو أن يبدأ العمل فيها منذ الآن حتى لا تغرق الخرطوم “في شبر مويه” كما يحدث في كل عام.
*حسناً إن نجحت الخرطوم في إنفاذ خطتها الاستراتيجة بإنشاء المزيد من المصارف الضخمة، مؤكد ستعود الخرطوم إلى سابق عهدها، ولكننا نخشى أن يطول هذا الرجاء.
*مصارف القوز تحتاج للكثير من الاهتمام والتنظيف خاصة تلك التي في الشوارع الرئيسية التي سُدت بالإهمال والأوساخ، فهل نشهدها كما كانت في السابق؟ نرجو ذلك.
مصرف البحوث سيكون له تأثير كبير في خريف هذا العام.