عودة الميرغني.. هل تُشكِّل نقطة تحوُّل في الأزمة السودانية؟
عودة الميرغني.. هل تُشكِّل نقطة تحوُّل في الأزمة السودانية؟
الخرطوم- الطيب محمد خير
أعلنت هيئة الختمية في بيان لها، عودة مرشدها مولانا محمد عثمان الميرغني إلى السودان منتصف نوفمبر الجاري بعد غياب دام تسعة أعوام عندما غادر الميرغني الى القاهرة في العام 2013 للعلاج وآثر البقاء بها.
وتتزامن عودة الميرغني الذي سيُنظّم له استقبالٌ حاشدٌ، يُؤمّه قيادات الحزب وجماهيره وشباب الطريقة الختمية والطرق الصوفية وجموع الشعب السوداني، تتزامن مع الذكرى الثالثة والثلاثين لاتفاقية الميرغني – قرنق الموقعة في نوفمبر بأديس أبابا إبان الديمقراطية الثالثة، وضم وفد الاتحادي الديمقراطي المفاوض، الدكتور حسين سليمان أبو صالح والدكتور مامون سنادة والأستاذ سيد أحمد الحسين، والفريق يوسف أحمد يوسف، وكانت أهم بنودها وقف إطلاق النار وإرجاء حسم جدل إلغاء الشريعة الإسلامية للمؤتمر الدستوري بدلاً من البرلمان (الجمعية التأسيسية) رغم ذلك رفضتها الجبهة الإسلامية بزعامة الترابي بحجة انها تمس السيادة الوطنية، وأعلن نائب أمينها العام علي عثمان محمد طه في الجمعية التأسيسية أنّ حزبه يرفض مبادرة الميرغني – قرنق، وأسقطت فعلياً في يناير 1989م بفض حكومة الوفاق الوطني المكونة من حزب الأمة والجبهة الإسلامية والحزب الاتحادي الذي خرج إلى المعارضة بعد رفض الشريكين الآخرين للاتفاقية، ونعى زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق الاتفاقية، وقال إنه يشاطر الشعب السوداني الأحزان لرفض الجمعية التأسيسية اقرار اتفاقه مع زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني، وقال ان اغلب القوى الفاعلة تؤيدها باستثناء حزب الجبهة الإسلامية وقلة في حزب الأمة.
وتأتي عودة الميرغني الذي يُحظى بتقدير واسع من قطاعات الشعب السوداني كرجل دين وزعيم سياسي للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي يُعد من أكبر الأحزاب السياسية وله انتشارٌ جماهيري واسعٌ في السودان، بجانب حزب الأمة القومي، ما جعل كافة التحالفات السياسية تتسابق في الوقت الراهن لكسبه لجانبه لتستقوى به في مواجهة خصومها، ويعتبر الميرغني ذات نفسه آخر من تبقى من جيل حكماء السودان الذين عركوا الحياة السياسية منذ الحركة الوطنية، بعد رحيل حليفه في الديمقراطية الثالثة الصادق المهدي.
لكن تصادف عودته، حالة من الانسداد السياسي بسبب الخلاف المتصاعد والمُستمر دُون توقُّف بين الكتل السياسية المتنافرة في ظل إصرار كل منها على حكم البلاد منفرداً، وقد أدلى الميرغني بدلوه لإنهاء الأزمة من منفاه الاختياري بالقاهرة في مارس الفائت بطرح مبادرة وطنية لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد تشمل الدعوة لإجراء حوار سوداني – سوداني شامل يهدف لتحقيق أهداف الثورة.
وعلى مستوى الحزب، تنتظره الخلافات التي نشبت مؤخراً داخله حيال وثيقة الدستور الذي أعدّته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين المحسوبة على قوى الحرية والتغيير، حيث يؤيدها رئيس قطاع التنظيم الحسن الميرغني والأمين السياسي إبراهيم الميرغني، فيما يتحالف نائب رئيس الحزب جعفر الميرغني مع قِوى التوافق الوطني التي وقّع معها الأسبوع الماضي على إعلان تبني تعديلات جوهرية على الوثيقة الدستورية المُوقّعة في 2019 بين المجلس العسكري وقِوى الحرية والتغيير، وتم إلغاء بعض بنودها بمُوجب قرارات 25 أكتوبر التي أصدرها القائد العام لقوات الشعب المسلحة.
يبقى السؤال الأساسي الذي ينتظر أن تجيب عليه عودة الميرغني وتأثيرها على أرض الواقع السياسي المأزوم بتصفية الخلافات التي وقفت امامها كافة المبادرات المحلية والإقليمية عاجزة ومواجهة بتمترس كل كتلة خلف شعاراتها وسقوفاتها للحل؟
ووصف رئيس لجنة الحشد لاستقبال مولانا الميرغني، الخليفة مبارك بركات عودته بأنها تمثل مخرجا مهما في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد تجاذبات سياسية، لأن مولانا الميرغني الآن وهو يعود للسودان ليس من اجل الحزب ولا الطريقة، وانما باعتباره شخصية قومية مشهود لها بالمواقف الوطنية منذ الديمقراطية الثالثة والاتّفاق الذي وقّعه مع زعيم الحركة الشعبية قرنق، بجانب انه كان زعيما للتجمع الوطني الديمقراطي، فضلاً عن أن مولانا الميرغني سبق أن طرح العديد من المبادرات ويبدي إشفاقه واستياءه من إراقة الدماء السودانية وهو دائم السعي للم كافة الأطياف السياسية السودانية، كما جمعها إبان فترة التجمع، وحتى إنه في قيادة التجمع رفض العدوان الأمريكي على مصنع الشفاء، وقال قولته لن أقبل أن تقع إبرة على السودان وتؤذيه، دعك من صاروخ.
وأضاف مبارك رغم أن صحة مولانا ليست كما كانت عليه من قبل بحكم تقدم السن، لكن واقع الوطن يحتم عليه أن يسعى للم شمله وهو من الشخصيات التي تحظى بقبول في كافة الاوساط الاهلية والدينية والسياسية فهو رجل وسطي، وبالتالي الضرورة تحتم عليه رغم تقدمه في السن، لكن لم يبق من الحكماء غيره، فهو الآن بمثابة طوق نجاة لإنقاذ البلاد بالتدخل لحل الأزمة التي أنا أراها ليست خلافاً من اجل الوطن، وإنما من أجل مقاعد السلطة.
وقال المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر “للصيحة”، إن مولانا محمد عثمان الميرغني من الشخصيات السودانية التي تتمتّع بعلاقات خارجية واسعة خاصةً في المحيط العربي بزعامته لأكبر الأحزاب السودانية، وترؤسه للتجمع الوطني الديمقراطي، أضف لذلك وجوده في مصر شكّل وجودا نوعيا، وله علاقة متينة معها، وهو شخصية متوافق عليها من كل الأطياف السياسية السودانية، وكل من زار مصر من قياداتها وحتى رئيس مجلس السيادة يعرج إليه ويجلس معه ويتزوّد بنصائحه، فهو يمثل قاعدة سودانية عريضة.
وفي ذات الوقت، يمثل الحزب الاتحادي الذي يتزعّمه ثقلا سياسيا لا يستهان به وان فيه انقسامات، لكن الميرغني يشكل مرجعية للحزب وتشكل عودته في هذا التوقيت للساحة السياسية تعضيداً لدعوته للتوافق وإنهاء الخلافات التي لم يتخلَ عنها امتداداً لجهوده في إحلال السلام منذ الديمقراطية الثالثة بتوقيعه لاتفاقه مع زعيم الحركة الشعبية وأكسبه قاعدة احترام واسعة داخلياً وخاصة في اوساط المعارضة الجنوبية في السابق، وخارجياً فهو من هذا المنطلق يعتبر من أكبر الداعمين للتحول الديمقراطي السلمي من خلال مبادئ واهداف ثورة ديسمبر.
واشار خاطر الى ان عودة الميرغني في هذا التوقيت ووجوده داخل السودان يُعد مصدر طمأنينة للشعب السوداني، بأنّ هناك أحد الحكماء يعمل من أجل الاستقرار وإنهاء الأزمة وان الحزب الاتحادي غير بعيدٍ من تطبيب جراح البلد، وانما في لب مساعي الحل، والحزب الاتحادي جزءٌ أصيلٌ من حركة بناء الحاضر والمستقبل، وختم أتوقع أن يحدث الميرغني بعودته اختراقا كبيرا في جدار تصلب الأزمة.
وقال القيادي بحزب الامة عادل المفتي، ان الميرغني احد القيادات التاريخية في السودان وله خبرة تراكمية كبيرة في العمل الوطني ممتدة لعشرات السنين وهو احد الساعين والمشاركين في لم شمل السودان، وإنهاء الفرقة وتحقيق الوحدة، مضيفاً شخصية بهذه المواصفات واجب الترحيب بها في هذا التوقيت الحرج في تاريخ السودان.
وأضاف المفتي، على الحزب الاتحادي أن ينهي مسألة التجاذبات بداخله لأن وحدته لها أثر كبير في وحدة السودانيين وهذا ما ظل الميرغني مهموماً به طوال الفترة الماضية، لكن على الميرغني أن يسعى للم شمل الحزب ورسم خطه السياسي حتى تكون له مساهمات إيجابية في إنهاء الأزمة وتكوين حكومة مدنية، وأن تحل القضايا عبر مؤتمر دستوري.