المُفكّر البروفسير حسن مكي لـ(الصيحة) (2-2)
(المدنية) لن تصبح واقعاً إلا إذا اتفق اليساريون والإسلاميون
لابد للعسكري من إيجاد شخصية توافقية لإدارة المرحلة الانتقالية
قوى الحرية والتغيير تعتقد أن الحكم نزهة سهلة ولكنها مُعقدة
الحركة الإسلامية في حالة خوف لذلك ستلجأ للعمل السري
الإنقاذ سقطت قبل سنوات والذي أبقاها في الحكم التخدير باسم الدين
البشير ضرب الرقم القياسي في الحكم أكثر من الخليفة عبد الله التعايشي
الإسلاميون تنكّروا لمشروعهم والحكاية أصبحت شركة قابضة
لابد من ظهور جماعات إسلامية جديدة تُقدّم للناس أفكاراً جديدة
سبب خروج الشارع الظلم والعطالة ونيران الفقر والتهميش
========
المشهد السياسي الداخلي يمر بتعقيدات كثيرة، ما بين الثورة التي لم تهدأ مطالبها، وما بين المجلس العسكري الذي يمسك بمفاصل الدولة، ويريد ضمان فترة انتقالية بعيدة عن التعقيدات والأزمات, وما بين هذا وذاك ما زال الشباب الثائر لا يخفي مطالبه بالمدنية والانتقالية، وكل القوى السياسية تتحرك وتتحسس مواقع أقدامها لتجد أنها فارغة المحتوى، ليصبح الشارع رهيناً لكل قوى المجتمع لإحداث التغيير، ربما سنوات الحرمان من الحرية والسلام والعدالة التي بلغت أكثر من عشرين عاما ألقت بظلها على المشهد العام ولذلك الكل يفسره على هواه ووفق مصلحته.
(الصيحة) جلست إلى المفكر السياسي والأكاديمي البروفسير حسن مكي لتفكيك مآلات الأزمة وحقيقة الواقع وإلى أين تتجه؟
حاوره: صلاح مختار
تصوير: محمد نور محكر
*اتهامك موالاة الأحزاب للمؤتمر الوطني أو أنهم عملاء لا ينطبق على الأحزاب التقليدية؟
الصادق المهدي بجلالة قدره اعترف بأنه أخذ مليون دولار كيف تفسر ذلك؟.
*ولكن لديه مبرر لاعترافه؟
أنا لا أتحدث عن المبرر فقط، أنت تقول إن السلطة غير شرعية كيف تدخل معها في أمر هكذا. هل مانديلا استلم مليماً من حكومة التفرقة العنصرية, (27) سنة في السجن صامد. وبالتالي إذا كان للصادق المهدي علاقات دولية وهو ابن المهدي كيف تتعامل تعاملات مالية، أنا لا أريد أن انتقده، ولكن الوضع السياسي هكذا.
*كل الناس تتعامل معه بخلفيته السياسية؟
صحيح كل الناس تعاملوا مع هذا، الفئة الوحيدة التي كانت مظلومة ومهضومة هي فئة الشباب التي تتواجد في الشارع خلال الفترة الماضية ليس لديهم من الثروة إلا الخدمة المدنية أو الدفاع الشعبي والإحباط .
*هنالك حالة إحباط داخل الحركة الإسلامية بأن الوضع بعد الفترة الانتقالية لن يأتي بهم مرة أخرى؟
طبعاً الحركة الإسلامية الآن في حالة خوف ربما سمعت بما حدث للشيوعيين في أندونسيا كان الضحايا (130) ألفاً من الحزب الشيوعي الأندونسي، وبالتالي الإسلاميون كان لديهم حاجز بأن الحركات المسلحة سوف تنتقم منهم، لما حدث في دارفور، ولذلك كان التفكير منصباً على البقاء.
*هل هو حق أريد به باطل أم العكس؟
أصلاً هي السياسة هكذا، ولكن الآن حمدوا الله بسبب أن الحكاية الآن انتهت إلى أن (23) من قياداهم في السجن، وأما الباقون كما ترى؟
*ولكن يظل السؤال يطرح نفسه هل هذه حقيقة؟
هي حقيقة قيادات النظام السابق موجودون في السجن .
*ألم تكن كما يظنه البعض مسرحية جيدة الإخراج للنظام الجديد؟
هو إخراج جميل، لأن الرئيس كان يريد قتل ثلث الناس، ولكن الأحداث اتجهت إلى أن الجماعة الفوق كانوا عقلاء، الأمر الأخر الرئيس صفّى العقول التي كان يمكن أن تساعده، ولكن في النهاية أنت بعد أن تحكم (30) عاماً حتى ولو أخذ مرة أخرى (20) عاماً لا بد أن ينتهي .
*هل كتب قادة الإنقاذ على نفسهم الموت لعدم استماعهم للنصائح؟
أعتقد نظام الإنقاذ سقطت قبل سنوات من سقوطها الآن، ولكن كانت الصورة والتخدير باسم الدين مثل شعار (لله قمنا نبتغي رفع اللواء) ذلك كله أحدث تخديراً للناس.
*قد يكون حديثك مردوداً، لأن البشير في تصريحات سابقة أبدى نيته في عدم الترشح، ولكن هنالك من أوعز إليه ذلك وهم من حوله؟
من الذي جاء بهم؟.. هو الذي أتى بهم ليعزفوا له المعزوفة، قالوا له:(إنك لابد من الترشح.. وأنت الباقي وسيد الكل.. وأنت البشيرن وأنت النذير وإمام المسلمين) مثل الجماعة التي كانت حول الترابي. ولكن في النهاية السلطة أكثر من ذلك، إلى أين يتجهون، الآن الصادق المهدي كل مجموع حكمه لا يساوي (5) سنوات، وهؤلاء حكموا ثلاثين عاماً، أكثر من ذلك إلى أين يذهبون؟
*كيف استطاع البشير ضرب الرقم القياسي ببقائه كل تلك المدة؟
هو ضرب الرقم القياسي أكثر من الخليفة عبد الله التعايشي في تاريخ السودان، حكم البشير كان من المفترض أن يدون في موسوعة جينس.. لأنه استخدم التخدير باسم الدين، فالسودانيون محبون للدين.
*هل تعتقد أن الضعف السياسي للأحزاب وراء ذلك؟
ممكن ذلك، ولكن الضعف السياسي يمكن أن يأتي عن طرق التخدير باسم الدين، وبالتالي أدى إلى ضعف اقتصادي، هناك من مات باسم الدين في الجنوب، وهنالك (25) ألف شاب توفوا بالجنوب يعتقدون أنهم يعملون في مشروع ديني إصلاحي، والإنسان عندما تتم برمجته لا يفكر.
*هل تنكر الإسلاميون لقياداتهم؟
هم تنكروا لمشروعهم كله، والحكاية أصبحت شركة قابضة، التي لا يدخل فيها شهيد أو أم شهيد، وإنما الجماعة، أصحاب الأسهم المسجلة لهم ممتلكات داخل الحركة الإسلامية بواجهات مختلفة، ولكن ببعض أموال الحركة الإسلامية ستورث لأن الجمعيات السرية في العالم تمت وراثة أموالها مثل الجبهة التحرير الجزائرية، ورّثت أموالها لأفراد، والآن تحولت الحركة الإسلامية لحركة سرية حفاظاً على المصالح الاقتصادية والأصول التي تمتلكها.
*هل يمكن لها أن تتحول الحركة الإسلامية إلى قوى سياسية مستقبلاً؟
قوى سياسية مع الشباب الآن في الشارع لا أرى ذلك ما بين الشباب الموجود في الشارع. قد تظهر حركات أو جماعات إسلامية مستنيرة تحاول أن تتأقلم مع الواقع الآن، واحدة من التحديات الكبرى التي سوف تقابل شباب الحركة الإسلامية حينما تفتح الجامعات ماذا يقولون فيها، لأنهم في السابق اعتمدوا على السلطة وعلى العصا الغليظة والتجنيد وغيرها.
*واحدة من المظاهر التي صاحبت الثورة هي اللهجة والشعارات الإقصائية؟
هذا شيء طبيعي، لأنهم شعروا كذلك بالإقصاء والتهميش بعبارة أخرى يريدون (يسّدوا).
*بمعنى هل ستكون الصورة قاتمة حال أعيد فتح الجامعات؟
هذه حقيقة، ولذلك لابد من ظهور جماعات إسلامية جديدة تقدم للناس أفكاراً جديدة. الآن بعد أربعين عاماً أدخلوا الحركة الشعبية وغيرها، كل ذلك نتيجة تعاونهم مع الاستبداد وسلطان القهر، أعتقد أن الحركة الإسلامية في نفس المأزق .
*كيف تقرأ المشهد الآن لقيادة الشباب من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير؟
هؤلاء يعتقدون أن الحكم نزهة سهلة، ولكن الحكم حاجة معقدة، لكنهم يقفون على مشروعية كبرى من المظالم، هؤلاء الشباب الذين خرجوا كان بسبب الظلم والعطالة ونيران الفقر والتهميش، وكثير منهم جاء من الأقاليم, بمعنى هربوا من الهامش إلى الهامش من هامش الإقليم إلى هامش المدينة، لذلك الصرخات الاحتجاجية هي مبررة، هنالك كتاب يتحدث عن الذين جاءوا من الخارج، وليس من النظام أو المجتمع التاريخي المعروف الذين يسمون بالنخب النيلية، هؤلاء الآن أصبحوا قوة ليس في السودان وحده، وإنما في العالم كله الآن في إيطاليا الحزب الحاكم ليس لديه أي أيدلوجية، وإنما فقط هو ضد المحافظين، ولذلك التكتلات تحتاج إلى عقل.
*هل مكونات قوى الحرية والتغيير لديها القدرة على قيادة الشباب؟
لا إدري هل تستطيع قيادات ومكونات قوى إعلان الحرية والتغيير أن يكونوا عقلاً سياسياً يتعامل مع ذلك الواقع. صحيح أنهم الآن قادوا الاحتجاجات، لأن الاحتجاج ساهل بإمكانهم قيادته وكذلك بإمكانهم قيادة المظاهرات وتوجيه الناس، وأن يجعلوا الناس يتحركون بدوافع داخلية، ولذلك لابد أن نفرق بين هذا وبين المجتمع العميق فيه طرق صوفية وحركات عنصرية وفصائل وأشياء أخرى.
*هذا التدافع إلى أين سيقود البلاد؟
هذا التدافع إلى إين سيقود وإلى أين سيأتي، الآن الربيع العربي بدأ بمصر جاء بمرسي، ولكن مرسي انتهى في السجن في النهاية، والربيع العربي في تونس بدأ بالبوعزيزي، ولكن بوعزيزي انتهى محترقاً، والسبسي الذي كان مع بورقيبة الآن أصبح رئيس الدولة حتى الآن، وفي ليبيا انتهى بسقوط القذافي وانقسام الدولة.
*إلى أين يتجه السودان؟
نحمد الله حتى الآن لم يحدث في السودان ما حدث في ليبيا وسوريا والعراق وما زلنا متماسكين.
*إلى أين وإلى متى سيظل التماسك الداخلي في السودان؟
لا أدري إلى متى، ولكن لا بد للمجلس العسكري أن تكون لديه العبقرية والقدرات لإيجاد شخصية توافقية لإدارة المرحلة الانتقالية، وأهم شيء أن يجد رئيس وزراء لديه من الملكات والقدرات ومن الصفات ما يمكنه من كسب شيء من الشباب وهي القوة المتحركة، ويحاول أن يؤلف حكومة تجمع أكبر قدر من الشباب.
*معظم هؤلاء الشباب غير ملتزمين سياسياً هل من السهل تشكيلهم في كيانات تنظيمية؟
ممكن الآن.. أغلب الشباب يشعرون بالفراغ والوحدة والعزلة وعندهم أزمة انتماء، وإذا وجدوا حاضنات تُقوِّي فيهم الانتماء إلى الوطن أو الدين أو أي فكرة فهم جاهزون.
*السودان يتجه لمرحلة سياسية جديدة كيف تراها الآن؟
مؤكد الآن كل هذه إرهاصات للمرحلة المقبلة الجديدة، مثلما تقع قنبلة ذرية تنهي الشيء القديم الموجود، والناس تبدأ من الأطلال من بين الأنقاض وينظرون إلى الأشخاص الذين يمكن مساعدتهم في إزاحة هذه الأنقاض، ولن يستسلموا لشعارات دينية وإنما يريدون بياناً بالعمل.
*ما يحدث الآن هل هو صراع يسار ويمين؟
هذه الثنائية موجودة، وهي واحدة من المشاكل إذا كان اليساريون والإسلاميين جلسوا على الأرض واتفقوا على أطروحات. والآن المناداة بـ(مدنية مدنية) لن تصبح واقعاً إلا إذا اتفق الإسلاميون واليساريون عليها، لأنه أذا أراد اليساريون إقصاء الإسلاميين، فالإسلاميون سيساندون حكومة ذات توجهات عسكرية (كيداً في اليساريين)، ولكن إذا اتفقا مع بعض، وأنا أستبعد أن يحصل هذا في القريب العاجل، أعتقد ما ينادي به الشارع من مدنية مدنية سيطول ليلها، لأن في العالم الثالث السلطة دائماً ما تكون مع صاحب البندقية والمال.
*أنت غير متفائل، صوّرت المشهد بأنه غير مطمئن؟
مع قتامة المشهد السياسي هنالك مبشرات، النظام القديم انتهى الآن، نحن في مرحلة جديدة،تحتاج إلى أبطالها ونجومها ورمزيتها وخطابها، وتحتاج إلى البيان التأسيسي، وهذا يأخذ وقتاً.