لويس عوض.. الطبيب الإنسان
كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
ثمة شخصيات سودانية كان لها تأثير بالغ على مجتمعاتها وتركت أثراً كبيراً ظلت تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، وما كان لتلك الأجيال أن تتناقلها لولا أن تلك الشخصيات كان لها عطاء ثر ومحتشد بالإنسانية، ولعل مجالس الخرطوم ما زالت تتذكر الدكتور لويس عبده الذي ترك سيرة ناصعة البياض والألق، وكما قالت الأستاذة عفاف عبد الرحيم (الطبيب الإنسان الراحل المقيم لويس عوض عبده تادرس أحد أقدم وأبرز اختصاصي الأطفال في السودان عامة والخرطوم خاصة، وأحد القلائل الذين نذروا علمهم وأنفسهم لهذه المهمة الإنسانية، وتقع عيادته بعد كبري الحرية مباشرة، في حي باريس المجاور للمنطقة الصناعية، والتي كانت ملجأ لأطفال فقراء الخرطوم وما جاورها من الأحياء الشعبية بدءاً من السجانة والحلة الجديدة، ومروراً بالديوم والكلاكلات وانتهاء بجبل أولياء.
(2)
ظلت عيادته واسمه ملاذا آمناً للفقراء، وذوي الحاجة على مدى حياته، ومزاراً لمريديه والمعتقدين في قدراته على علاجهم دون غيره من الأطباء.
لقد عُرف الدكتور لويس عبده بتميُّزه في المجال الطبي.. وإنسانيته التي لا مثيل لها، في زمن كاد أن يفقد الطب فيه أميز خصائصه وأقدسها كما يحدث في السودان الآن. كان يستقبل الراحل المقيم مرضاه بابتسامته ووده الصادق قبل عقاقيره.. والتي كثيراً ما يمنحها عن طيب خاطر من حر ماله، أو من أدراج طاولته أو من صيدليته الخاصة، دون منّ أو أذى..
(3)
درّب الدكتور لويس العاملين فى عيادته على الاحترام غير المشروط لكل المرضى، وكان لهم خير قدوةٍ، حيث أنه اختار بعناية الذين يعملون معه من ممرضين وفنيين وعمال، ليأتمنهم على مرضاه، ولم ير في المريض غير إنسانيته ومعاناته، فضلاً عن أنه كان يهتم بجماليات المكان، حيث أنه درج على الاهتمام بنظافة عيادته وحديقتها التي تفوح منها رائحة الفل والياسمين.. في زمن كان يستقبل كبار الاختصاصيين في الخرطوم مرضاهم في عيادات متهالكة (لدرجة الخطورة) لا تتماشى مع الرسوم الفلكية المفروضة على المرضى، ونذر الراحل حياته لخدمة الجميع، وأعطى الطب قيمته الإنسانية.
(4)
وحينما ضعف بصره استعان بمجهر ذي شاشة تلفزيونية للتأكد من صحة ما تكتبه يده من وصفات طبية، كما استخدم كادراً طبياً كاملًا من الممرضين والفحيصين لتسيير العمل الإنساني، بينما عملت صيدلية مصباح التي تقع جنوب عيادته مباشرة على توفير الأدوية والمستلزمات التي تتطلبها عيادته.
(5)
لقد رحل الدكتور الإنسان، في صمت كما كان يعمل من دون ضجيج، بعد أن هزم المرض والجشع وكسر حواجز اللون والعرق والدين المصطنعة، وهو ابن المدينة الذي هزم جشع الأطباء أبناء الأرياف والمزارعين، الذين يتقاضون 30 ضعفاً مما يتقاضاه للكشف، والذين جعلوا عيادتهم تحت شعار (لا يدخلها إلا الأغنياء فقط).