5 نوفمبر 2022م
صبوح الوجه..
ثم باسم المحيا دوماً..
لم أره إلا مبتسماً… بشوشاً… مرحاً… فرحاً..
طيب كيف هو كذلك في زماننا البئيس هذا؟… لست أدري..
أو لم أكن أدري حتى وقتٍ قريب..
وربما سبب عدم علمي بتبسُّمه الدائم هذا إنني ما كنت أراه إلا في الجامع..
وتحديداً في صلاة الجمعة من كل أسبوع..
فهو لا يلج المسجد إلا عقب بدء الإمام خطبته..
يلج مبتسماً… ويتجه ببصره صوب الإمام… ثم يزداد تبسماً..
ثم يلوح بيده تجاهه ويصيح صيحة حفظتها عن ظهر حسد (وين يا؟)..
وبعد ذلك يذهب ليجلس… وهو باسم..
وقبل أيام عرفت السبب بعد أن سألت؛ فقيل لي إنه من أهل (اللطف)..
وهل اللطف يجعل المرء منشرحاً على الدوام؟..
إذن فهو ضربٌ من اللطف جميل – ومرغوب – في أيامنا الكئيبة هذه..
ورغم دراستي علم النفس عجزت عن تشريح هذه الحالة..
حالة كونك مبسوطاً على طول..
رغم أن عقلك ليس في تمام بسطته… وانبساطته..
ومن الطبيعي – مع حالة اللطف هذه – أن تكون متقلب المزاج..
أن تفرح مرة… وتسرح مرة… وتحزن مرة..
أن ينسحب عليك قول المغني:
مرة أسرح… ومرة أفرح… ومرة تغلبني (القراية)..
وصاحبنا هذا غلبته القراءة – فعلاً – إبان دراسته الجامعية بسبب زميلة..
فقد طردته من قلبها..
فطرد عقله وعيه… فطردته الجامعة… فصار طريداً..
كل ذلك عرفته عنه قبل أيام..
والبارحة – في صلاة الجمعة – مارس هوايته المحببة فور دخوله الجامع..
لوح بيده نحو الإمام وصاح (وين يا؟)..
ثم حاذاني وهو يتجه إلى مكان جلوسه وابتسامته العريضة يُحسد عليها..
فهي ابتسامة باتت أندر من لبن العصفور في أواننا هذا..
فالناس – هذه الأيام – متجهمون… مبتئسون… مكشرون… مقطبون..
أو الغالب الأعم من شعب بلادنا..
وكل واحدٍ منهم يكاد ينطبق عليه قول مغنٍّ آخر:
شايل هموم الدنيا مالك؟..
بيد أنه سيكون سؤالاً سخيفاً؛ حتى وإن تم تغليفه بلحنٍ طروب..
فالهموم كثيرة؛ و(على قفا من يشيل)..
وقديماً قال الشاعر:
لو كان هماً واحــداً لكُفيته
ولكنه همٌّ… وثانٍ… وثالث
فهل هو محظوظٌ – الباسم هذا – أن كفته فتاته هموماً في انتظاره؟..
بل ربما هي مبتئسة الآن؛ وهو سعيد..
ربما تكون من جملة الذين عز عليهم الفرح… الضحك… التبسم..
ومساء الأمس نفسه كانت لي معه قصة أخرى..
قصة ذات تبسُّم… وفتاة ذات حسن… وعبارة ذات (وين يا؟)..
فقد صادفني – في طريقي ذاته – وهو مقبلٌ نحوي..
وبيني وبينه فتاة تتمخطر في مشيها..
وتسير في اتجاهي نفسه؛ بمعنى أنها مقبلةٌ عليه..
وعندما مر بجانبها سمعته يصيح في وجهها وهو يتبسم (ياي؛ وين يا؟)..
ومفردة (ياي) هذه من مفردات الإعجاب الأنثوي..
وكنت قد اقتربت أكثر – بعد أن أسرعت الخطى – بدافعٍ من الفضول..
فسمعتها تغمغم بغضب (ياي يلويك)..
فلوى فمه… وتلوى ضحكاً… وتولى عنها… وهو لا يلوي على شيء..
فما عادت تعنيه في شيء عبارات الصدود هذه..
أو فلنقل إنه تحصَّن منها بلقاح الصد الأول من تلقاء زميلته تلك بالجامعة..
ثم وجد نفسه – بعد ذلك – وجهاً لوجهٍ أمامي..
فلوح لي – وهو ما زال يضحك – وصاح صيحة حفظتها عن ظهر حسد..
وين يا؟!.