3 نوفمبر 2022م
لعم “للإملاءات ونعم للإرادة الوطنية”:-
هذا العنوان يرمز إلى طرفة تُحكي عن أحد مواقف سياسية حرجة قابلها المرحوم ياسر عرفات، حينما مُورست عليه ضُغوط في أحد مؤتمرات التفاوض بين الفلسطينيين واسرائيل. وضعت الوساطة خياراً في وجه عرفات على غرار take it or leave it ولم يجد بداً للمناورة بين القبول والرفض.
فموقفه الرسمي هو (لا)، لكنه عبّر بطرفة جامعاً بين موقفه الرافض للجوهر المطروح مع تعبير دبلوماسي يوحي للقبول. فهذا لقد جمع لا ونعم بكلمة واحدة وهي ((لعم).
بهذه المقدمة اود ان اضع القارئ بحالنا السياسي اليومي وخاصة الذي يختص باللجنة التسييرية لمحامي المجلس المركزي التي باتت منصة الترهيب على القوى السودانية الأخرى ومحطما لإرادتها.
فهذا الموقف بسلوكه غير وطني مرفوض مع أسباب أخرى نعدد بعضها في القائمة التالية:
١- ابتداءً ليست هناك نقابة اسمها نقابة محامين، مع احترامي وتقديري لهؤلاء المحامين النابغين. الا انهم لا يمثلون سوى أنها مجموعة جاءت وطبيعة تكوينها المحاصصية بين مكونات المجلس المركزي تفتقد الحيادية وهي تتبنى مواقف اللجنة سياسية كاملة الدسم.
فالاختلاف السياسي هنا أساس الحال السوداني المأزوم وعنصر فعّال في عدم استقرار الوطن، فأي دوافع مفرطة في انفراد بالسلطة، لا ينخدع بها المواطن السوداني الذي لُدغ من نفس الجحر ومن ذات الحية بداخله أكثر من مرة. بهذا نجد من الصعوبة بمكان أن يجد أحدنا الدواء من الداء.
٢- الغرض من تقديم الوثيقة في هذا التوقيت هو إجهاض كل المبادرات الوطنية الأخرى التي سبقت الوثيقة. وهي أشبه بقرار مفروض على الكل, مقصده تطويع الجميع أو قهر كل من يرفض الدخول في طاعة الوثيقة، بل أشبه بمفرمة تسحق كل الإرادات التي تنطلق من أرضية وطنية على الأقل ذلك للمجموعات الأخرى.
٣- بهذا السلوك المُجرّب والذي فشل في إدارة التنوع طغى فيه التعالي والتذاكي وحُب الانفراد بسلطة البلاد.
أو بفرض ضغوط بالوكالة.
لقد قبلنا بهذا الأسلوب وترتيباته بعد ١١ أبريل ٢٠١٩ ولو تكرر هذه المرة وبذات المنهج يعتبر اغتيالاً للقضية السودانية وعودة كاملة إلى منبع الظلم التاريخي. لذلك تمّ رفض هذا السلوك.
٤- الوثيقة لم تكتب بإرادة سودانية، أنها أوجدت جاهزة لغرض تفضيل الناس على الناس وقد حُددت للسودانيين درجات مقاعدهم حسب قُربهم لنادي العظماء. الذي يخصّص لبعضنا الدرجة الأولى ولبعضنا الثانية وللآخرين الثالثة، هذا اثبات لما كان من الخلل البنيوي لم يتغيّر مازال في حال سابقاته.
٥- إن الذين تجمعهم هذه الوثيقة من العسكريين والمدنيين، تغلبت فيهم مصلحة الشخوص والكيانات التي ينتمون إليها دونما المصلحة الوطنية التي ينشدها الشعب لمدة أكثر من ستين عاماً، إن صفقة العودة للصفر هذه أوهن من خيط العنكبوت حتى ولو تم ذلك في العلن.
طالما المُحرِّك الفعلي هو الدافع القديم على نمط (وما الحب إلا للحبيب الأول).
٥- الرفض على الوثيقة لا يعني عناداً كما هو صفة أصحاب الوثيقة، إنما هو الرفض للإملاءات مهما كانت هذه الإملاءات ذات قيمة مع كامل الاحترام الذي نكنه للمبادرات الوطنية بما في ذلك هذه الوثيقة فاقدة الأبوين. العيب هو:- أن تفرض نفسها لتزيد سعة في الجرح، في الوطن الجريح. فمبدأ الرفض لم يأت الا بعد ان فرض الطغيان من البعض على الآخرين.
٦- تشخيص المشكلة السودانية هو سياسي بامتياز، في ضلال او التجاوز جهلاً أو تجاهلاً أو عمداً عن تعريف القضية وجعلها قانونية أو دستورية، يعتبر اضافة خلل على الخلل التاريخي ونضع العربة أمام الحصان، فالمطلوب هو الخروج علناً في الحوار السياسي دون خجل أو خوف من قواعدنا الشعبية من أجل إعادة الثقة المفقودة بدلاً من استيراد اوراق أو التذاكي على البعض أو الهروب من أجل تجاوز الحوار وتفادي مواجهة الحقائق.
٧- الوثيقة والعملية بأكملها اهتمت فقط بالتسوية على أساس إزالة مخاوف طرفي الوثيقة. غضت النظر عن الاهتمام بالجوهر هو تجميع أطراف البلاد وتوفيقها، مما أدخل هذا الأسلوب أطراف الوثيقة وعرّابيها في مأزق صعب لتسويقها للعامة لما لديها من الصفقات القانونية والجنائية التي لا يمكن إسقاطها بمجرد همز ولمز.
٨- هنالك ثلاثة أسباب أساسية قام عليها الحوار السري، أولها رغبة انفراد المجلس المركزي في الفترة الانتقالية ليتسنى له صياغة القوانين والتشريعات والإجراءات التي تتعلّق بالانتقال بحيث ان تسمح لهم على التحايل وجعل الانتخابات مجرد شعار، وفي أحسن الأحوال تحفزهم في تزوير إرادة الناخبين من أجل بقائهم، فهذا كان أحد أسباب انشقاق الحرية والتغيير، مما تسبّب في وقوع ٢٥ أكتوبر, التاريخ الذي يتشائمون ويؤرخون به الأزمة السودانية.
ثانياً، يسعون إلى إلغاء اتفاق جوبا الذي وقفوا ضده حتى قبل ميلاده عبر التفاوض، والآن يتذرعون بالمراجعة وهو اسم الدلع لكلمة الإلغاء التي تنتهي بها عملية المراجعة، فكل النقاشات التي تُدار في الغُرف المُظلمة لا تخلو من ورود إلغاء الاتفاقية، ليست لأنها غير سليمة إنما لدواعٍ أساسها إثنية وسياسية، بما يعني الأزمة التي ستأتي بنجاح الصفقة القادمة ستهدد بقاء أشياء وقيم أساسية، ورود هذه العبارة مسنودة بمعلومات حَقيقيّة تداولتها الجلسات المغلقة أكثر من أنها مجرد تحليل أو استنتاج.
أخيراً:-
لا مقدسات ولا مسلمات في المنهج السياسي.
الوحيد الذي يجب أن يُقدس هو الوطن وإنسانه. طالما هذا أحد قوانين الحياة السياسية، يصبح من باب الأولى أن تقابل الوثيقة ومنهجها الإقصائي بالرفض القاطع وبلاءات بلا حدود، ومن الأجدر الآخرون يمقتونها مقت الموت طالما سعت لتجريد إرادتهم.
بكل تواضع وأدب، اعتبرناها جهداً من الجهود السودانية التي قام صانعوها ببذل طاقة ولو بمقدار دور كومبارس الذي يقوم بغسلها، لذلك لم نرفضها كلية ولم نُطالب بتمزيقها، فقط يحب أن تكون قدر حجمها بين المبادرات الوطنية الجمة وأن تُدمج مع المبادرات الأخرى، فهذه الحالة مرحب بها أيما ترحيب.
أما اذا اعتبرت نفسها هي الأساس وهي المركز وهي نادي العظماء الوحيد في المدينة (only business in the town) كما رتل بها السيد فولكر ترتيلاً، لا شيء يمنع الآخرين عن رفضها سوى الموت. وهو المر الوحيد الذي لم يشرب من كأسه أحياء في السودان. فلذلك أقول لوثيقتكم (لعم) فالحرف اللام هو الحاكم في هذه الكلمة.