منى أبوزيد تكتب : ما وراء الطبيعة..!
3 نوفمبر 2022م
“الطبيعة سيدة المواهب والعبقرية سيدة الطبيعة”.. جاي هولاند..!
(1)
في ثمانينات القرن الماضي حددت تقارير طب الأسنان العدلي مكان دفن الإمام الهادي المهدي الذي تم اغتياله في مطلع السبعينات من ذات القرن بمنطقة الحدود قرب الكرمك، عندما أكدت تطابق أسنان رفاته مع صور أسنانه المحفوظة في ملفات طبيبه المعالج، وبناءً على ذلك تم نقل رفاته في موكب مهيب إلى قبة الإمام المهدي بأم درمان. والزعيم النازي أدولف هتلر – الذي كان البعض يشككون في رواية انتحاره – فقد تم حسم أمر وفاته من خلال اختبارات الحمض النووي على أسنانه أيضاً، وكذلك الحال مع جثتي راجيف غاندي رئيس وزراء الهند الأسبق، ومحمد ضياء الحق رئيس باكستان الأسبق، الذين تناثرت أشلاء كل منهما إثر انفجار قنبلة. أسنان الجثث لا تفنى و”طب الأسنان العدلي” علم يستثمر ذلك البقاء ويستخرج من تلك البقايا أدلة حاسمة ضد الفناء، فيكشف غموض الجرائم ويعرف بهوية الجثث في حال الكوارث والحروب ويشد من أزر علم الآثار بتحديد عمر وهوية رفاة ومومياءات الحضارات البائدة. وعن طريق تقارير طب الأسنان العدلي يتم إثبات أو نفي هوية المفقودين، ويتم الفصل في قضايا الميراث ومصائر الزيجات ويتم حفظ الحقوق القانونية للأحياء، ويتم حفظ كرامة الميت الذي يتمكّن ذووه من دفن جثته أو رفاته على النحو الذي يُليق بعقيدته الدينية، فَضْلاً عن كشف هوية المعتدين في حوادث الاغتصاب التي يحل غموضها تقرير بشأن “عضة” نتجت عن مقاومة الضحية فكانت سبباً في اكتشاف القاتل. لا حدود إذن لإمكانات العقل البشري، ولكن هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..؟
(2)
دراسة مختصة بعلم الوراثة نشرت مؤخراً أومأت نتائجها إلى أن الحُب من أول نظرة مسألة وراثية تجعل بعض الرجال أكثر عرضةً للوقوع في فخ الانطباع الأول. الدراسة قالت إن ثمة جينات تحدد اختيار الذكور والإناث للطرف الآخر وتتحكّم بالأساليب التناسلية بينهم في المستقبل، واستدلت على ذلك بتجارب أجريت على ذباب الفاكهة الشبيه في صفاته الوراثية بالبشر، فإناث ذباب الفاكهة تنتج قبل التزاوج “دهاناً وراثياً” يجعلها أكثر انجذاباً لنوع معين من الذكور ويتحكّم بقرار التزاوج. وذلك الدهان الوراثي هو المعادل الموضوعي لكيمياء النظرة الأولى عند البشر..!
(3)
بعض العلماء المسلمين الذين يتّخذون مواقفاً نظريةً متحذلقة من بعض الظواهر التي يرد ذكرها في القرآن أو السنة ربما يفعلون لأنّهم يشترطون أن تدلف تلك الحقائق إلى عقولهم من باب الحسابات المادية المجافية للتفاسير الروحانية. وإن لم تنجح نظرياتهم العلمية في تفسير ظاهرة بعينها تفسيراً دقيقاً فإنهم ينزلونها إلى درك الخرافة. ذلك النزوع المتطرف نحو المادية – والذي يصر البعض على التشبث به – نهج مستورد من حضارات وملل أخرى، قد يحدث أن يجتهد بعض المنتمين إليها في حشد النظريات العلمية لإثبات صحة بعض الحقائق التي تدخل في قبيل “الماورائيات” التي ورد ذكرها في القرآن أو السنة. لا توجد نظرية علمية معتد بها ومعوَّل عليها تستطيع أن تفسر حقائق دينية كالعين والسحر والمس، أو تستطيع أن تُمنطق الكيفية التي تعمل بها الآيات القرآنية على تحقيق الشفاء التام من تلك الابتلاءات أو الآلية التي تعمل بها نفس الآيات كدرع أو حصن يقي المسلم شرور بعض الابتلاءات، ولكننا جميعاً نؤمن بالتداوي بالقرآن، وكذلك يفعل كثير من العلماء الملحدين – بعد إجراء الأبحاث والتجارب – فما بال نظرائهم المسلمين إذن..؟