مني اركو مناوي:
مقالي هذا فقط يعبر عن رأي الشخصي.
لعم” للإملاءات ونعم للإرادة الوطنية:”-
هذا العنوان يرمز إلى طرفة تُحكي عن أحد مواقف سياسية حرجة قابلها المرحوم ياسر عرفات ،حينما مورست عليه ضُغوط في أحد مؤتمرات التفاوض بين الفلسطينيين واسرائيل. وضعت الوساطة خيارا في وجه عرفات على غرار take it or leave it ولم يجد بداْ للمناورة بين القبول والرفض.
فموقفه الرسمي هو (لا)، لكنه عبّر بطرفة جامعاً بين موقفه الرافض للجوهر المطروح مع تعبير دبلوماسي يوحي للقبول . فهذا لقد جمع لا ونعم بكلمة واحدة وهي ((لعم)).
بهذه المقدمة اود ان اضع القاري بحالنا السياسي اليومي وخاصة الذي يختص بـ اللجنة التسييرية لمحامي المجلس المركزي التي باتت منصة الترهيب على القوى السودانية الاخري ومحطم لارادتها .
فهذا الموقف بسلوكه غير وطني مرفوض مع أسباب أخرى نعدد بعضها في القائمة التالية :-
١- ابتداءً ليست هناك نقابة اسمها نقابة محامين ، مع احترامي وتقديري لهؤلاء المحامين النابغين . الا انهم لا يمثلون سوى أنها مجموعة جاءت وطبيعة تكوينها المحاصصية بين مكونات المجلس المركزي تفتقد الحيادية وهي تتبنى مواقف اللجنة سياسية كاملة الدسم .
فالاختلاف السياسي هنا اساس الحال السوداني المأزوم وعنصر فعال في عدم استقرار الوطن ، فاي دوافع مفرطة في انفراد بالسلطة ، لا ينخدع بها المواطن السوداني الذي لُدغ من نفس الجحر ومن ذات الحية بداخله أكثر من مرة . بهذا نجد من الصعوبة بمكان ان يجد أحدنا الدواء من الداء .
٢- الغرض من تقديم الوثيقة في هذا التوقيت هو إجهاض كل المبادرات الوطنية الاخرى التي سبقت الوثيقة . وهي أشبه بقرار مفروض علي الكل, مقصده تطويع الجميع أو قهر كل من يرفض الدخول في طاعة الوثيقة ، بل أشبه بمفرمة تسحق كل الإرادات التي تنطلق من أرضية وطنية على الأقل ذلك للمجموعات الأخرى .
٣- بهذا السلوك المجرب والذي فشل في ادارة التنوع طغى فيه التعالي والتذاكي وحب الانفراد بسلطة البلاد .
او بفرض ضغوط بالوكالة .
لقد قبلنا بهذا الأسلوب وترتيباته بعد ١١ أبريل ٢٠١٩ ولو تكرر هذه المرة وبذات المنهج يعتبر اغتيال للقضية السودانية وعودة كاملة إلى منبع الظلم التاريخي . لذلك تم رفض هذا السلوك
٤- الوثيقة لم تكتب بارادة سودانية ، انها اوجدت جاهزة لغرض تفضيل الناس على الناس وقد حُددت للسودانيين درجات مقاعدهم حسب قربهم لنادي العظماء . الذي يخصص لبعضنا الدرجة الأولى ولبعضنا الثانية وللاخرين الثالثة ، هذا اثبات لما كان من الخلل البنيوي لم يتغير مازال في حال سابقاته.
٥- ان الذين تجمعهم هذه الوثيقة من العسكريين والمدنيين ، تغلبت فيهم مصلحة الشخوص والكيانات التي ينتمون إليها دونما المصلحة الوطنية التي ينشدها الشعب لمدة أكثر من ستين عام ، ان صفقة العودة للصفر هذه اوهن من خيط العنكبوت حتى ولو تم ذلك في العلن .
طالما المحرك الفعلي هو الدافع القديم على نمط (وما الحب الا للحبيب الاول ).
٥- الرفض على الوثيقة لا يعني عناداً كما هو صفة أصحاب الوثيقة ، إنما هو الرفض للاملاءات مهما كانت هذه الاملاءات ذات قيمة مع كامل الاحترام الذي نكنه للمبادرات الوطنية بما في ذلك هذه الوثيقة فاقدة الأبوين . العيب هو :- ان تفرض نفسها لتزيد سعة في الجرح في الوطن الجريح . فمبدأ الرفض لم يأت الا بعد ان فرض الطغيان من البعض على الآخرين .
٦- تشخيص المشكلة السودانية هو سياسي بامتياز ، في ضلال او التجاوز جهلا او تجاهلا او عمدا عن تعريف القضية وجعلها قانونية او دستورية ‘ يعتبر اضافة خلل علي الخلل التاريخي و نضع العربة أمام الحصان ، فالمطلوب هو الخروج علناً في الحوار السياسي دون خجل أو خوف من قواعدنا الشعبية من أجل إعادة الثقة المفقودة بدلاً عن استيراد اوراق أو التذاكي على البعض أو الهروب من أجل تجاوز الحوار وتفادي مواجهة الحقائق.
٧- الوثيقة والعملية بأكملها اهتمت فقط بالتسوية على اساس إزالة مخاوف طرفي الوثيقة . غضت النظر علي الاهتمام بالجوهر هو تجميع أطراف البلاد وتوفيقها، مما ادخل هذا الأسلوب أطراف الوثيقة وعرّابيها في مأزق صعب لتسويقها للعامة لما لديها من الصفقات القانونية والجنائية التي لا يمكن إسقاطها بمجرد همز ولمز.
٨- هنالك ثلاثة اسباب اساسية قام عليها الحوار السري ، أولها رغبة انفراد المجلس المركزي في الفترة الانتقالية ليتسنى له صياغة قوانين وتشريعات واجراءات التي تتعلق بالانتقال بحيث ان تسمح لهم على التحايل وجعل الانتخابات مجرد شعار ، وفي احسن الاحوال تحفزهم في تزوير ارادة الناخبين من اجل بقائهم ،.فهذا كان احد أسباب انشقاق الحرية والتغيير ، مما تسبب فى وقوع ٢٥ أكتوبر, التاريخ الذي يتشاءمون ويؤرخون به الأزمة السودانية .
ثانياً، يسعون إلى إلغاء اتفاق جوبا الذي وقفوا ضده حتي قبل ميلاده عبر التفاوض، والآن يتذرعون بالمراجعة وهو اسم الدلع لكلمة الإلغاء التي تنتهي بها عملية المراجعة ،فكل النقاشات التي تدار في الغرف المظلمة لا تخلو من ورود إلغاء الاتفاقية، ليست لأنها غير سليمة انما لدواعي أساسها اثنية وسياسية، بما يعني الازمة التي ستأتي بنجاح الصفقة القادمة ستهدد بقاء اشياء وقيم أساسية ، ورود هذه العبارة مسنودة بمعلومات حقيقية تداولتها الجلسات المغلقة اكثر من انها مجرد تحليل أو استنتاج .
اخيرا :-
لا مقدسات ولا مسلمات في المنهج السياسي, .
الوحيد الذي يجب ان يُقدس هو الوطن وانسانه . طالما هذا أحد قوانين الحياة السياسية ، يصبح من الباب الاولى ان تقابل الوثيقة ومنهجها الاقصائي بالرفض القاطع وبلاءات بلا حدود ،
ومن الأجدر الآخرون يمقتونها مقت الموت طالما سعت لتجريد إرادتهم . ،
بكل تواضع وأدب ‘ اعتبرناها جهدا من الجهود السودانية التي قام صانعوها ببذل طاقة ولو بمقدار دور كومبارس الذي يقوم بغسلها ، لذلك لم نرفضها كلية ولم نطالب بتمزيقها ، فقط يحب ان تكون قدر حجمها بين المبادرات الوطنية الجمة وان تُدمج مع المبادرات الأخرى ‘ فهذه الحالة مرحب بها أيما ترحيب .
اما اذا اعتبرت نفسها هي الأساس وهي المركز وهي نادي العظماء الوحيد في المدينة ( only business in the town ) كما رتل بها السيد فولكر ترتيلاً ، لا شئ يمنع الآخرين عن رفضها سوي الموت . وهو المر الوحيد الذي لم يشرب من كأسه أحياء في السودان. فلذلك أقول لوثيقتكم (لعم) فالحرف اللام هو الحاكم في هذه الكلمة.