2 نوفمبر 2022م
هل هي تسوية سياسية أم استعمارٌ جديدٌ؟
قلنا في مقالينا التسوية الثنائية (1) و(2)، إنّ هنالك مقترح تسوية سياسية لحكم الفترة الانتقالية بين الفريق أول البرهان والفريق أول حميدتي والحرية والتغيير المركزي، وبضغط من السفير الأمريكي وفق خطة مورفي ومسودة دستور لجنة تسيير المحامين بعد إجراء بعض التعديلات عليها من قبل الفريق أول البرهان والفريق أول حميدتي، وهي وثيقة عقد إذعان، وهي تجعل الحرية والتغيير المركزي الحاكم لمتبقي الفترة الانتقالية مدتها سنتين، مع إضافة بعض من يرغب فيهم فولكر، وما يسمى المجتمع الدولي وهو كذبة كبيرة تنطلي على بعض السذّج وهو حكم خارجي واستعمار جديد تنفذه الحرية والتغيير بالوكالة، ويبعد كل الشعب السوداني وكل القوى السياسية والمجتمعية والأهلية، وتؤول الأمور إلى أقلية سياسية لتنفذ المشروع العلماني الليبرالي الجديد (البرنامج الاستعماري الخارجي) بدون انتخابات، أي بدون تفويض شعبي، وهي قوى تسيطر على البلاد بقوة ضعيفة الوزن وبوضع اليد (كيريه)، وهذه القوى يُضاف إليها بعض القوى لتقوم بدور (المحلل)، وذلك بدون برنامج ولا خطة،
وهذه التسوية تبعد بعض الدول الأساسية صاحبة العلاقة مع السودان كمصر وقطر لحساب الجوكية الجدد، وهي دول لها علاقات مميزة مع السودان ولكنها مبعدة عن الملف السوداني.
والسودان صمام أمان لمصر في كل النواحي، وابتعاد مصر عن الحل السودان سوف يؤثر سلباً على الأمن المصري، ولذلك مطلوبٌ وجود مصر وقطر في حل المشكل السوداني.
ثانياً هذه الطبخة السياسية الثنائية النيئة التي تدفع بها بعض الدول العربية والولايات المتحدة، ستدفع القوى السياسية المعارضة لهذه الصفقة إلى روسيا والصين وإيران والهند وأخرى، خاصةً وأنّ المجتمع الغربي لم يساعد السودان منذ الاستقلال، وظل يفرض عقوبات على السودان منذ ما قبل الاستقلال، منها عدم التنقيب عن البترول وخروج شيفرون وساهم المجتمع الغربي بفصل جنوب السودان وسعى لقيام الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، والآن يعمل جاهداً لتقسيم السودان إلى خمس دول، وتعمل بعض الدول التي وراء التسوية للاستيلاء على موارد السودان الاقتصادية عبر الاستيلاء على الموانئ، وكذلك الزراعة والثروة الحيوانية، وأيضاً السيطرة على الذهب والمعادن، وموقع السودان المميز.
إذن، التسوية هي لصالح الدول الغربية وبعض الدول العربية ضد الدولة السودانية، وبعض الدول ذات الارتباط التاريخي والأمني القديم مع السودان.
أيضاً خطورة هذه التسوية ستقاوم مقاومة قوية من كل الشعب السوداني الوطني عبر مقاومة محلية، والاستعانة ببعض أصدقاء السودان قد تؤثر على الأمن القومي السوداني، خاصةً وأنّ للسودان تجارب في ذلك، والعزل السياسي أدى إلى انقلاب عبود وانقلاب مايو والإنقاذ وهي تؤدي إلى اصطفاف الشعب السوداني على المشروع الوطني.
إذن، هذه التسوية هي مشروع استعماري كبير يتصادم مع المشروع الوطني والتغييرات العالمية والإقليمية، ويجعل هنالك صراع مصالح بين الشرق والغرب في أرض السودان، أيضاً يجعل الجيش والقوات النظامية الأخرى متحفزة وضد هذا المشروع الاستعماري الجديد، ويجعل بعض الدول في مرمى الثورات الشعبية، خاصةً وأنّ أفريقيا كلها الآن تراجع حساباتها مع بعض الدول الغربية، والمثال الحي فرنسا فقدت كل دول القارة الأفريقية التي كانت مستعمرات لها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبريطانيا وأمريكا في الطريق والحبل على الجرار، خاصةً وأنّ أمريكا تعيش أزمات داخلية كبيرة، ويتوقع أن تدخل في حرب أهلية وأزمة اقتصادية، وأوروبا كذلك.
السودان دولة مهمة جداً في أفريقيا، وقادت كل حركات التحرر الأفريقية، وساعدت كل شعوب أفريقيا على الاستقلال، وكان لمصر دور كبير في استقلال السودان، وهي الآن أُبعدت عن الحل السوداني، وتزعمته دول قبولها في السودان كالمستجير من الرمضاء بالنار!!
إنّ هذه التسوية الثنائية التي من المقرر أن تُعلن في 2022/12/19م، وهي تسوية لن يُكتب لها النجاح،
أما الإخراج الذي يقوم به فولكر فهو ذرٌ للرماد على العيون، وهو خدمة لتمرير مشروع التسوية الثنائية والتي ولو أُضيف لها بعض القوى فهي بهارات فقط، بل هي تغطية الكلوركوين بالسكر ليسهل بلعه، وقطعاً السودان لن يبلعها، بل هي فرصة للشعب السوداني أن يجتمع على برنامج وطني يعجِّل بالانتخابات المبكرة، خاصةً وأنّ تجربة قحت في السنوات الأربع السابقة في حكم السودان لم يكن ذا قيمة ولم يكن ناجحاً!!!
إذن، هذه التسوية هي مشروع خارجي استعماري بامتياز، أعتقد أنه إلى الزبالة قريباً، ولو كان على رأسه دول عظمى في العالم وهو فاشل كما فشل مثله في العراق وليبيا واليمن وأفغانستان.
وقديماً قيل “الذي يُجرِّب المُجرّب كانت عليه الندامة”.. ويقول أهلنا “المُتغطِّي بالغرب عريان”..!