2 نوفمبر 2022م
والبخل بغيض..
وأكثر خصلة ممقوتة لدى غالب النساء هي البخل هذا من تلقاء الرجال..
البخل المادي…..قبل العاطفي..
وشاعر الحقيبة سيد عبد العزيز يقول في قصيدته الشهيرة (بت ملوك النيل):
الجبرة فيك بتخيل
محمية الحمى
الما حام حداها دخيل
ما كان أبوكِ بخيل
بت عز الرجل
أهل الدروع والخيل
وقيل أنها قيلت في واحدة من آل المهدي ؛ رغم إنكار عصام الترابي ذلك..
قال لي أن قائلها رجلٌ من آل المهدي أنفسهم..
ولكنه نسبها إلى سيد عبد العزيز لاعتبارات اجتماعية…وعائلية..
وعموماً هم أهل خيل…ودروع…وكرم..
والجاحظ ألف كتاباً ضخماً عن بخلاء عصره ؛ وحكى عن نوادرهم الكثير..
وتوفيق الحكيم كانت له نوادر جراء بخله..
فحين يأتي إليه صديقٌ بمكتبه – بالمجلة – يحوله إلى السباعي بالأعلى..
يقول له (اطلع اشرب قهوتك عنده وانزل لي)..
وذات يومٍ طلبت منه المجلة أن يكتب لها مقالات يتم جمعها في كتاب..
فسأل عن المقابل المادي أولاً..
فقيل له : أطلب ما تراه مناسباً ؛ فطلب – بعد كثير تفكير – خمسمئة جنيه..
فهو مبلغٌ من شدة بخله رآه كبيرا..
قال لهم (ادوني المبلغ ده مقدماً وإلا مش ح أكتب خالص)..
فأعطوه ألف جنيه نقداً…عداً..
فكاد يُغمى عليه..
وزميلٌ كاتب مقالات جاءنا زائرأ في (الرأي العام) من لندن حيث يقيم..
واتخذ من مكتبي – تحديداً – مستقراً له..
فكنت أدعوه كل يوم لمشاركتي إفطاري ؛ فيلبي الدعوة دون تردد..
ثم أطلب له ما أطلب لنفسي من مشروبات..
لم أره يوماً يشتري فطوراً…ولا شاياً…ولا قهوة…ولا أي شيء..
وصباح يومٍ أحضر له أحد أقربائه شطائر لحمة..
وجلس معه نحو نصف الساعة لم يطلب له خلالها أي باردٍ ولا ساخن..
فلما ذهب سألني إن كنت قد فطرت..
وعندما أجبته بالنفي قال (الحمد لله ؛ على كده آخد معاي الأكل ده البيت)..
وهنالك البخل السياسي..
وفي بلادنا لدينا منه الكثير ؛ من لدن الاستقلال…وحتى زمان قحت..
وهو كان دوماً السبب في التقلبات السياسية..
أو فلنقل الانقلابات العسكرية..
ونعني به الاستئثار بالسلطة لدرجة منع حتى فتافيتها عن الآخرين..
وتجلى البخل هذا أكثر ما تجلى لدى قحت..
فهي نهبت الثورة…فالسلطة…فالثروة..
ثم جعلت شعارها مقولة الدجاجة الصغيرة الحمراء التي درسناها صغاراً..
وهي مقولة الفول فولي..
مع ملاحظة أن الدجاجة زرعت…فحصدت…فأكلت…بينما اكتفوا هم بالسرقة..
ونعني جماعة قحت من اليساريين..
وبخلوا حتى على من كانوا شركاء لهم في اسم قحت…ولو بفتفوتة صغيرة..
ونختم حديثنا هذا عن البخل بالعاطفي منه..
فصديقٌ لي – شاعر – كان كريماً جداً ؛ مادياً…وعاطفياً…وإنسانياً..
وأتى لزيارتي يوماً..
فوجدني مع نفرٍ من الزملاء…والزميلات..
وكان يحمل كيس فاكهة بيده ؛ فطفق يعطي كل واحدٍ منا برتقالة..
ومعنا زميلة اسمها زينب..
فلما مد يده بواحدة قال لها (تفضلي يا زيزي)..
واسم زيزي هذا هو اسم الدلع الخاص بها ؛ ولا يناديها به إلا خاصتها..
فإذا بها تنفجر فيه (حضرتك بتعرفني؟)..
فتمنى أنْ لو تنشق الأرض – في تلكم الحظات – لتبتلعه مع برتقاله..
ورسخت هذه الحادثة في ذهني..
وعصر يومٍ كنت في بقالة مجاورة لصحيفتنا لشراء كولا..
فولجت زميلة لنا تعمل بصحيفة أخرى..
فبادلتها التحية ؛ ثم حملت زجاجتي وخرجت…فلم يكن بيننا وثيق معرفة..
وفضلاً عن ذلك كانت معروفة بأنها في حالها..
وفُسر ذلك أنها على ممن ينطبق عليهن قول المغني (يا غاريك جمالك)..
فسمعتها تغمغم من خلفي : ثقيل..
وبخيل !.