أطفال التوحد .. معاناة صامتة بانتظار الإدماج
وكالات : الصيحة
في سن الثانية من عمره أدركت والدة الطفل سعد حقيقة إصابة ابنها باضطراب طيف التوحد، حيث بدأت تظهر عليه سلوكيات تختلف عن باقي إخوانه الثلاث داخل البيت.
وتقول ليلى الميساوي القاطنة بمدينة وجدة، شرق المغرب، لـ”سكاي نيوز عربية”: إن “أفراد الأسرة اكشتفوا إصابة ابنهم بالتوحد بعدما لاحظوا فرطا في الانطواء على ذاته وميولا نحو الانعزال عن العالم الخارجي، إلى جانب صعوبات في التواصل اللفظي والحركي”.
وتحكي أم سعد كيف دفعها تشخيص الطبيب لحالة ابنها إلى الانكباب على محاولة فهم هذا الاضطراب والانخراط في دورات تدريبية من أجل اكتساب تقنيات تدريب أطفال التوحد وتنمية مهارات ابنها إلى جانب استفادته من حصص العلاج، وهو ما ساعد ابنها على التكيف وسط محيطه.
وأشارت أم سعد، إلى حجم المعاناة التي تتحملها أسر أطفال التوحد، سواء بسبب ارتفاع تكاليف العلاج أو صعوبة اندماج أطفالهم داخل المدرسة أو غيرها من التحديات الأخرى.
وتعتبر أسرة سعد واحدة من بين آلاف الاسر المغربية التي تكابد عناء كبيرا في سبيل أبناءها من أجل انتشالهم من عزلتهم ومساعدتهم على الاندماج داخل المجتمع أسوة بأقرانهم من الأطفال.
أهمية التشخيص المبكر
وتبدأ أعراض اضطراب طيف التوحد بالظهور بحسب المتخصصين في سنوات مبكرة، ومن بين أبرزها ميول الطفل نحو العزلة، وتتطور الأعراض لدى مرضى طيف التوحد على مستوى صعوبة التواصل الاجتماعي والتفاعل مع الآخرين، إلى جانب التأخر في الكلام وتكرار سلوكيات نمطية.
يقول الاخصائي النفساني ومدير مركز الأشخاص التوحديين بتطوان(شمال)، عادل الصنهاجي، أن اكتشاف الإصابة باضطراب التوحد في سن مبكرة يعتبر عاملا مساعدا على استجابة الطفل المصاب للعلاج بشكل أفضل، ويساهم في تحسين قدراته وقابليته للاندماج في محيطه وداخل المجتمع.
ويؤكد الصنهاجي في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” على أهمية تحسيس الأمهات والآباء بهذا المرض، والتعريف بأعراضه داخل المجتمع بغية التفريق بينه وبين عدد من الاضطرابات المشابهة، معتبرا أن ذلك من شأنه مساعدة الأسر على اكتشاف الإضراب لدى أبنائهم في مراحل مبكرة.
كما يؤكد الأخصائي النفساني، على أن علاج الطفل التوحدي يستوجب عرضه على أخصائيين في مجالات شبه طبية متعددة من بينها اختصاصات تقويم النطق والعلاج السلوكي وعلم النفس الحركي والتربية الخاصة.
وينادي مختصون في مجال الإعاقة بضرورة إيلاء أهمية أكبر للأطفال المصابين بهذا النوع من الاضرابات السلوكية، عبر توفير برامج تأهيل وإنشاء مراكز خاصة كفيلة بتوفر كل الاحتياجات اللازمة لهذه الفئة.
واستنادا للمعيار الذي تعتمده منظمة الصحة العالمية والذي يفيد بإصابة طفل واحد من 100 طفل عبر العالم، تقول عفاف عفان عاجي رئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، إن هناك حوالي 400 ألف شخص مصاب بالتوحد يوجدون في المغرب.
وتعتبر عاجي في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أنه بالرغم من الأشواط الهامة التي قطعها المغرب من أجل التعريف باضطراب التوحد في المملكة فإن المصابين بهذا المرض لازالوا يعانون من تبعاته، في ظل النقص الكبير في الأخصائيين على المستوى الطبي وشبه الطبي.
وتضيف المتحدثة أن عددا من الأسر تكابد في صمت بسبب ارتفاع تكاليف العلاج وعدم احترام منازلها لمعايير محددة لاحتضان الطفل التوحدي وحسن رعايته، إلى جانب تحديات مرتبطة باندماج الطفل في محيطه المدرسي وعدم ملائمة مناهج التعليم لتتماشى مع احتياجات هذه الفئة.
وتشدد عاجي على أهمية توفير مرافق الحياة المدرسية للأطفال ذوي التوحد من أجل تخفيف العبء على كاهل الأسر التي لا تستطيع عدد منها تخصيص مرافق لأبنائها.
برنامج حكومي
في سنة 2019 أطلق المغرب برنامجا لتأهيل مهني للتكفل بالأشخاص المصابين بالتوحد، يهدف إلى توفير خبرات وطنية ذات كفاءة عالية في مجال التكفل بالأشخاص ذوي إعاقة التوحد، وتأهيل أطر المؤسسات الصحية والاجتماعية العاملة في هذا المجال.
كما يسعى البرنامج إلى جانب الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للأشخاص المصابين بالتوحد، إلى تمكين أفراد الأسر المعنية بإعاقة التوحد من الاستيعاب الجيد للبرامج العلاجية ومن أنجع الطرق للتعامل مع أبناءها في هذا المجال.
ويأتي هذا البرنامج لسد النقص الواضح الذي سجلته وزارة الأسرة والتضامن على مستوى الخدمات المقدمة لفائدة الأشخاص ذوي إعاقة التوحد، حيث أوصت بتأهيل وتجويد برامج التكفل والتأهيل، وبإدراج التكوين في مجال إعاقة التوحد ضمن أولويات السياسة العمومية.