أم درمان- آرام كمال
في مقبرة حمد النيل، الواقعة في وسط مدينة أم درمان، لا تمر ساعة إلا ويصل موكب جنائزي يحمل جثمان متوفي ليدفن في المقبرة، في هذا الأمر يستوي الليل والنهار، من بين مستلزمات دفن الموتى “الشواهد” التي تصب من جهة الرأس، ويكتب عليها اسم المتوفي وتاريخ وفاته، وأحياناً مع الأدعية، ولأن المقبرة صارت الأكثر ازدحاماً بجثامين الموتى لتوسطها المدنية، صارت صناعة شواهد القبور مهنة تعيل أسراً وتفتح بيوتاً وأن لم تدر عليهم أموالاً كثيرة، وحرفة لها “فنانوها”.
من على البوابة الغربية للمقبرة، يلاحظ الداخلين والخارجين، شخص، يجتهد في “حك” لوحات أسمنتية لينحت عليها اسمٌ لمتوفي، وبجواره أعداد كبيرة من الشواهد مكتملة غير مكتملة، إنه محمد الحسن. يقول لـ(الصيحة) بأنه احترف مهنة صناعة الشواهد من صغره، وأنه لا يعرف مهنة غيرها وسيقضي بقية عمره بجوار مقبرته ليصنع الشواهد للموتى.
من وقت لآخر يتوافد مئات المواطنين للترحم على ذويهم، منهم من تثير انتباهه معروضات الحسن وغيره من النقاشين الموجودين بالمكان، وقد يطلب منه أحدهم تصنيع شاهد لقبر فقيد من عائلته.
يقول الحسن، إن سعر “الشواهد الجوز” بـ (10) آلاف، يستوي في السعر الشاهد الكبير والصغير، ويضيف: نحن لا نتعامل مع الطالبين مثل معاملة التجار فإذا أتى شخص يحتاج شواهد ولا يملك المال نعطيه دون تردد “الأمر بالنسبة لنا أمر آخرة وليس الدنيا ونكتفي بالقليل الذي يعود إلينا من بيع الشواهد ولا نفاصل في الثمن”.
احترف الحسن مهنة صناعة الشوهد منذ 15 سنة، وورثها من أبيه الذي يعمل معه وأخيه، لكن شغلهم مختلف، وقال إنهم يجلبون المواد للعمل من السوق الشعبي بأم درمان وأسعارها معقولة، ويشير إلى أن “قلَّاب” الرمل المخلوط بالخرسانة سعره (180) ألف، وسعر السيخ مقدار (6) أمتار، (60) ألف، أما طن الأسمنت بـ( 140) ألف، وبدرة الرخام الكيلو (5) آلاف.
ويقول: إن العمل في صناعة الشواهد مهنة لا تدر الكثير من المال على صاحبها، لكنها على الأقل تمكِّنه من تدبير لقمة العيش، ويشير إلى أن الشواهد تختلف حسب النوع والحجم لكنه يقول: إن سعرها واحد.