متاثرا بنجيب محفوظ تفوق بروايته ايام حي البوسطة. في أول حوار له بعد فوزه بالمركز الأول بجائزة الطيب صالح للابداع الروائي
الشاب مصطفي خالد يدلي برؤاه الإبداعية
حوار : حجازي سليمان حجازي
وشكرًا .. بائع الورد إذ يهدني وردةً ..
منذ قديم الزمان كانت الجوائز تبحث عن الموهبة والموهوبين، كتمائم دائمة البحث عن مرآيا تكشف عن طلاسمها، وفي ظل سعيها الحثيث تقف أمام من يستحق لتقلده وسامًا وتطوق عنقه وشاحًا، ثم تسافر كي تحقق وعدًا مأمولًا مع موهوب ينتظر في مكان ما، ونالت شرف لقاء أحد المبدعون هذه المرة وهو ..الدكتور مصطفى خالد مصطفى عباس (لتفوز) به جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي الدورة العشرين التي يقيمها مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي،
ومصطفى خالد مصطفى قد سجل أسمه باكرًا مع من سبقوه بالفوز، وهو يستحق بجدارة واقتدار، فهو قاص من طراز رفيع وروائي له أعمال تنبئ عنه كل من يمر من خلالها.
– غول سليمة
– تكية البجاوي
بالإضافة إلى أيام حي البوسطة الفائزة بالجائزة، وإن شاء الله ستشهد الساحة الفنية والأدبية السودانية والعالمية إبداعًا رفيعًا من مبدع حقيقي.
1-كيف عمدت سر التوهج، وأنت ترصف طريقك بذات الخطى، قاصْا تتفلت منه الحكايات وتطول في عمقها نصوصًا تعج بها الأحداث وتزاحم بعضها الشخوص؟
– التغيير عادةً لا يأتي بين ليلة وضحاها، الاستمرارية هي سر الوصول.
2- بعض الأخبار وإن كانت سارة، نشعر بوخزها الحميم على الخد وكأنها صفعة أُودعت مكانها الصحيح، لحظة إستدارة، تلفحنا منها قبسات، وتلوح من بعيد أن نتقدم، وأنت في غيهب صمتك كيف تلقيت خبر إعلان فوزك بجائزة أسسها أرطبون الرواية العربية الطيب صالح بنفسه؟! ماهو الشعور الذي تملكك وأنت تضع قدمًا في طريقك إلى هناك حيث الأضواء والجمل القصيرة والكلمات التي ترسمك فائزًا أولًا للجائزة بمركز عبدالمريم ميرغني؟!
– استقبال خبر الجائزة في المكالمة الأولى كان بلا إحساس، عند المكالمة الثانية كان الانفجار .
3- كل عمل نريد القيام به لابد لنا من الإعداد له بطريقة تكون ملزمة أحيانًا، وإن اردنا وصف بعض المناطق التاريخية أو الغوص في زمان بعيد، قد نستشهد أهلها أو نجالس أحد شيوخها، والجلوس قبالة شيخ والنظر في وجهه وهو يحكي، لو دققنا النظر لرأينا من بين طيات السنين وتجاعيدها، الحكايات تفرد أجنحتها وهي تحلق مليًا في سماء تلك اللحظة، كيف استطعت الوقوف على جدران الزمن باكيًا بعض أيامها ومستمتعًا ببعضها، كيف تمعنت النظر في الأطياف وكيف صُغت أيام حي البوسطة التي اعلنت عن نفسها كرواية زمانية وواقعية اجتماعية، كيف قراءات احداثها وصببتها في قالبٍ من حكي بهذه الوسامة كيف تعرفت على شخوصها؟!
– تربطني علاقة معرفة بإحدى الشخصيات (جعلتها في الرواية باسم صباح)، منها ومن حكاياتها لي تخلقت “أيام حي البوسطة”. استفدت أيضًا من كتابات الأمدرماني المخضرم شوقي بدري عن أمدرمان وحواري أمدرمان.
4– انفتاح المدارات والتطلع إلى شرفات بعيدة، قد يجعل من الشخص، شخص مشغول بقضايا تخص الإبداع بمكان، يحلق محاذيْا لسمته ليصف كل لحظات خياله ثم يعود راسمًا طريقه، وقد يكون الطريق يخصه وحده ويعلن تفرده وعلى طول الطريق أن اصواتًا تهمس وضجيج يلامةرم المشي، كيف أثر عليك الكُتاب؟ ومن منهم يطرب لحن روحك حروفً فتستقى المعانيَ؟؟
– في السرد تأثرت بنجيب محفوظ ويحيى حقي والطيب صالح ومؤخرًا هدى بركات، في الشعر أنا مبهور بأحمد شوقي وإيليا أبو ماضي.
5- بجمل قصيرة هل يمكن بناء العرش السردي؟ أي هل يمكن للقاص بشهيق أطول أن يبني فضاءًا من حكايات؟، وبغير زفير يمكنه مد الزمن السردي حتى يقود القارئ إلى أمكنة وأزمنة خيالية ومتخيلة أكثر من واقعية تجدها في محور السرد؟
– نعم، وتلك رحلة جد مثيرة.
6– كيف اثرت دراسة الطب على وعي حضورك في كل محفل الحرف؟ وكيف تناغمت أسرار الصمت في عالم ضجيج الحكايات لتفسر ظواهر طبيعة البشر؟
هل تحدثنا على صوت الراوي الذي يجعل للقص طعم ويجعل القارئ متلذذًا بطعم الحروف وكأنه يقضمها قضمًا؟
– دراسة الطب كانت سببًا في اختيار موضوع روايتي الأولى “غول سليمة”. عادةً ما يجنح الأطباء للفنون والآداب ترويحًا عن رتابة الطب ووعورته. لذلك تجد الطبيب الشاعر والطبيب الرسام والطبيب الروائي. أعتقد أن الطب يفعّل في اللاوعي مناطق الإبداع.
7- أروي لنا عنك شيئًا يفيد كل من يقرأ ليعرف من هو مصطفى خالد مصطفى عباس ولغة النثر حين تصف تكون دومًا أبلغ؟
– مصطفى طالب طب في المستوى الأخير بكلية الطب جامعة النيلين، له من الأعمال المطبوعة “غول سليمة” والأعمال تحت الطبع “تكية البجاوي” و”أيام حي البوسطة”. لغة النثر لا تكون بليغة في كل وصف، هناك وصف يكون حشو لا فائدة منه.
8- النصوص التي تترك بصمتها على القارئ، يصعب على شخوصها مغادرة الذاكرة؟
-نعم، شخصية هاملت من مسرحية شكسبير هي ثاني أكثر الشخصيات تأثيرًا في حياة العالم الغربي بعد السيد المسيح.
9- أنت كقارئ كيف يمكنك مفارقة الأصدقاء في حي البوسطة دون التلويح لهم ودون أن شعرهم بذلك؟ وكيف تستطع كبح جماح الدمع من أن ينهمر على شخص مات وكنت تحسبه ضمن الأحياء؟
– الوحشة التي تدهمني بعد الفراغ من كتابة روايةٍ ما أكسرها بقرءاة الرواية ذاتها كل فترة وأخرى.
11- ماهو اللحن الذي يلازمك وأنت تكتب ؟ وبمن تدندن ؟وكما نعرف أن للموسيقى سطوتها على النفس، وهي ترتب الوجدان؟
– لكل نص إيقاعه الخاص، بالنسبة لي كتابة قطعة سردية أشبه بتأليف مقطوعة موسيقية. أمرن أذني كثيرًا بسماع فيروز ووردي، وآلتي الموسيقية المفضلة هي العود. لذلك موسيقى العود ترافقني كثيرًا.
13– عندما تعود من أي رحلة للكتابة، كيف تنظر إلى نفسك وأنت هناك كاتبًا تسطره الأحداث وتؤطره الحكايات، هل تسود أرضك غيمات رضا من سماء حرفك؟ هل الغيث يجعلها خضراء وراوبيًا لغزلان الإبداع؟
– عادة لا أرضى. في الكتابة أقوى ترياق لدينا للقلق هو المراجعة كما يقول جورج سوندرز.
14- إن كنت غير كاتب، فماهي الهواية التي اردت أن تجد نفسك فيها؟
– التمثيل.
15- لو مر الزمن أو عاد بك سريعًا، فوجدتك بائع ورد فمن تهديه وردة دون أن تنتظر.
– إليك.
16– تقف أمام لوحة، تطيل النظر، كيف تحولها إلى نصٍ دون أن تسأل من هو الرسام؟ وكيف تعالج اللون فيها لتصف عنوانها بذات البساطة أو التعقيد؟
– يرجع الأمر إلى أنني وفي كثيرٍ من الظروف (أُمسرِح) ما أراه أمامي، أحس بأنني كاميرا مركبة الوجدان تلتقط الصور بعينٍ شديدة الملاحظة، دونما قصد.
17- هل للكتابة تخطيط، ليكون الكاتب كاتبًا أم أن للموهبة دور فعّال في تحديد وجهة الكاتب؟
– كارل ماركس يقول إن 10% فقط من أي عملية إبداعية يرتكز على الموهبة ما تبقى يأتي بالاجتهاد. الموهبة مهمة في التمييز بين المبرزين، لكنها لوحدها دون اشتغال لا تكفي.
18- أي الأشياء يشغلك كمصطفى الروائي، الأحداث أم السرد أم الحبكة أم الشخوص؟ هل تتأثر بدور أحد الشخوص في أعمالك؟ هل أردت حذف بعضهم بعد نهاية العمل؟
– في غول سليمة كنت مهتمًا بالشخوص، في تكية البجاوي باللغة والأحداث، وفي أيام حي البوسطة بالحبكة. الأمر ليس ثابتًا.
19– هل للجوائز أثر في نفسية الأعمال؟ هل يجد الكاتب نفسه مطالب بشروط قد تكون خارج نمط الكتابة؟ أو تلزمه بشيء قد يتعارض مع خط سير العمل؟
– عادةً الجوائز تقيدنا وتغير في شكل وربما مضمون العمل، ومن يكتب من أجل الجوائز قد يفوز، لكنه سينتج عملًا مصطنعًا.
20- لحظات تسامي تسود عالم كل من يكتب، فمتى تكون قريحة الكتابة عندك ماثلة في عين الورق حروفًا تجري؟ ومتى تشوبك الشوائب لتحيلك عن عالمك الإبداعي؟
-عندما أشرع في كتابة عملٍ ما أظل مشولًا طول اليوم به حتى وإن لم أكن أكتب، عادةً أرسم سيناريوهات كثيرة لما سأدونه عندما أجلس، وعندما أجلس أدون شيئًا لم يخطر على بالي خلال اليوم. عادةً أجدني متخفّزًا للجلوس للكتابة في الفترات المسائية.
21- الموهبة حين تتفجر تجد من يؤمن بها ومن يدعمها ويقف خلفها، وأنت على المشوار وفي أول الخطى من الذي كان يدلك الطريق، ومن الذي يعرف أكثر عن عالمك؟ وإن كنت مغنيًا فحتمًا هناك من يردد معك الأغنيات، وعلي ذات النسق من يقرأ لك ومن يرى نفسه بعين حرفك بطلًا في قصصك؟
– الدعم جاء من عدة جهات، وبصورة كبيرة، ابتداءً من الأسرة ومحيط العائلة، المعلمين على اختلاف المراحل، والأصدقاء طبعًا. ذكر البعض سيكون فيه ظلم للبقية.
22- كيف تعرفت على نفسك ككاتب؟ بوصفة بسيطة ارسم لنا الحدث لحظة لقاءك ونفسك لأول وهلة، وكيف كانت المفاجأة ؟ بعدها هل رضيت؟ أم ساورتك الإجابات أن تكون شخصًا بموهبة أخرى؟
-هذا الإدراك بالتحديد لا أتذكره بالضبط، لكنني على أي حال درجت مدرج الكثيرين، كانت عندي محاولات شعرية وبعدها انتقلت لكتابة السرد في المرحلة الثانوية.
23- صف لنا الشعور الذي يخالجك وأنت تضع الأحداث مكانها تخيليًا؟ كيف يمكنك تقاسم الوصف مع أروقة لم تطأ قدماك أرضها؟معالم إن لم تكن في خريطة الأحداث ستكون في زمن سردي قد يصعب صبه في قالب لتتمازج التفاصيل الصغيرة، بقلم في ورقة بيضاء كيف ترسل نصًا تريد الحكي أن يكون حاضرًا و(كفلاش باك) كيف يكون الإصغاء؟
– حينما أشرع في الكتابة أحس أنني أنتقل من الواقع إلى مكانٍ موجود سلفًا أذوب في تفاصيله وأتماهى معه، حينها تأتي مهمتي في تسجيل وقائع ما أراه في المخيلة.
24- آذآن المكان تعكس الأصوات كصدىً وفي المدى يسيل قرطْا، كبوصلة يعيد توجيه الأسئلة، ويتوجب على الفراغ الإجابة، كيف ترى صمت حديقة معلقة تريد نداء الرحيق؟ رسم المواعيد بحرف صادق كيف يلتقي والقارئ ؟!
-المكان بالنسبة لي يشكل مصدر إلهام أساسي في كل عمل، كالصحراء في التكية وبيت العائلة في أيام حي البوسطة وشجرة الجميز الكبيرة في غول سليمة. وقد يأتي المكان بطلًا في كثير من الأحيان.
اتمنى لك المزيد من النجاحات والأعمال صديقي الروائي مصطفى، مع تحيات المحبة والإحترام..