الصراعات.. نار الفتنة أم فراغ أمني؟
الخرطوم- صلاح مختار
وسط التوتر والاقتتال القبلي العنيف الذي شهدته ولاية النيل الأزرق قبل أيام، أقدمت مجموعات كبيرة من المتظاهرين على اقتحام مقر أمانة حكومة إقليم النيل الأزرق. وأكدت تقارير إعلامية بأن المحتجين الغاضبين أضرموا النيران بالمقر. فيما أوضح رئيس مبادرة المجتمع المدني بولاية النيل الأزرق محمد الطيب، في تصريح له أن مجموعة من المواطنين اقتحموا مقر قيادة الفرقة الرابعة مشاة بالدمازين، بعد أن أمهلوا الفرقة العسكرية 48 ساعة، للرد على مذكرة قدموها وطالبوا فيها بإقالة حاكم الإقليم أحمد العمدة. وكان العمدة أصدر مرسوماً بفرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء الإقليم لمدة 30 يوماً، بعد تجدد العنف والاشتباكات القبلية التي أسفرت عن سقوط 220 قتيلا.ً كما أصدر أوامر للمسؤولين الأمنيين “بالتدخل بكافة الإمكانات المتاحة لوقف الاقتتال القبلي وفرض هيبة الدولة”.ولكن السؤال الذي لم تجد له إجابة حتى الأن من الذي أضرم نار الفتنة وأيقظها؟
شرارة النيران
إضرام النار في أمانة حكومة إقليم النيل الأزرق، والتعدي على مخزن للسلاح تابع للجيش ونهب السلاح بداخله يمثل تطوراً كبيراً للأحداث في الإقليم، لا يبشِّر بالخير، كذلك يمثل امتداداً غير مسبوق للفوضى التي تضرب الإقليم.
ولذلك سارع المركز بتشكيل لجنة عسكرية وأمنية برئاسة نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات الفريق أول خالد عابدين الشامي، التي توجهت فوراً إلى مدينة الدمازين, في وقت دفعت قيادة الجيش بقائد للمنطقة العسكرية متخصص في فض النزاعات.ليكون قائداً للمنطقة العسكرية.
تعيين قائد
وأعلن الجيش تعيين قائد عسكري جديد لولاية النيل الأزرق.وقال الناطق الرسمي للقوات المسلحة العقيد ركن نبيل عبد الله، في بيان إن القيادة العسكرية قررت “تعيين قائد جديد لمنطقة النيل الأزرق العسكرية وهو اللواء الركن ربيع عبدالله آدم، في إطار دفع جهود معالجة الأوضاع الأمنية بالإقليم على خلفية الأحداث المؤسفة الأخيرة”. وأكد البيان أن القيادة “حرَّكت لجنة لتقصي الحقائق وتقييم الأوضاع الأمنية بالإقليم برئاسة السيد نائب رئيس هيئة الأركان للعمليات الفريق الركن خالد عابدين الشامي، وممثلين لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة”. كما دفعت بتعزيزات عسكرية للمنطقة المتأزمة.
تطور الأحداث
وكشف نبيل لـ”سودان تربيون” عن نهب مواطنين أحد مخازن الجيش في الدمازين عقب وقفة احتجاجية نظموها أمام قيادة الفرقة الرابعة مشاة سلموا خلالها مذكرة تطالب بإعفاء حاكم الإقليم. وأكد أن الأجهزة العسكرية تلاحق المجموعات التي اقتحمت مخازن السلاح، كاشفاً عن وجود لجنة عسكرية في مدينة الدمازين يرأسها نائب رئيس هيئة الأركان تعمل -حالياً- لمعالجة الوضع في الإقليم.
مؤهلات القائد
ويمتلك ربيع شهادة دكتوراة في “فض النزاعات”بحسب ضباط في الجيش عملوا معه تحدثوا لـ”سودان تربيون”، وتلقى القائد العسكري تنويراً من الأجهزة الأمنية حول تطورات الموقف قبل وصوله للدمازين يوم الاثنين. وأكدت المتحدثة باسم حكومة الإقليم فواتح البشير لـ”سودان تربيون” “أن المحتجين أشعلوا النار في واجهة الأمانة العامة وبعض السيارات التي كانت داخل المقر الحكومي”.
احتياجات النازحين
إلى ذلك كشف مفوَّض العون الإنساني بإقليم النيل الأزرق رمضان يس، عن تجدد القتال القبلي بمحافظة قيسان المدينة (٨) أسفر على نزوح أكثر (٥) آلاف نازح، إضافة إلى عدد النازحين جراء الأحداث بالإقليم بمحافظة ود الماحي خلَّفت عدداً من القتلى والجرحى، إضافة إلى النازحين الذي بلغ عددهم (١٨٠) ألف نازح، فقد استقبلت ولاية الجزيرة والنيل الأبيض خمسين ألف نازح، والبقية داخل مدن الإقليم ومعسكرات الإيواء ٠وأوضح أن العدد من النازحين يحتاجون إلى مشمعات ونواميس وبطاطين وملابس ومواد غذائية، مناشداً حكومة الفترة الانتقالية النظر إلى الإقليم، ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية بالتدخل وتقديم الدعم لكافة المواطنين المتأثرين بالأحداث.
نداء استغاثة
إلى ذلك أطلق وزير الرعاية الاجتماعية بإقليم النيل الأزرق عز الدين آدم، نداء استغاثة لتوفير المساعدات الإنسانية بالإقليم.بعد الأحداث الأخيرة, وقال الوزير: إن هناك نحو (8) آلاف نازح، حتى الآن جراء الأحداث الأخيرة التي تعرَّض لها الإقليم نتيجة لأعمال العنف المسلح. وأضاف بالقول إنهم بحاجة إلى توفير قدر كبير من الغذاء والدواء بسبب تكدس الآلاف بالمدارس عند مدينتي الدمازين والرصيرص. بالمقابل دعا وزير الصحة بالإقليم إلى توفير مجمل الاحتياجات الصحية بالإقليم وسط شح في المستشفيات والكوادر الطبية، كاشفاً عن الحاجة لطائرة بغرض إجلاء أعداد كبيرة من الجرجى بمنطقة ود الماحي للخرطوم. في وقت وصف فيه مسؤول الهلال الأحمر السوداني بالإقليم الوضع الصحي بالكارثي .
تدهور الأوضاع
وقالت الأمم المتحدة، إن الأوضاع الإنسانية تدهورت في ولاية النيل الأزرق خاصة في مناطق السيطرة الحكومية. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تقرير: إن “منظمات الإغاثة أبلغت عن تدهور الوضع الإنساني، لا سيما بمناطق سيطرة الحكومة في جنوب الكرمك ومحليتي قيسا (بولاية النيل الأزرق)، وأثر الصراع في المنطقة على سبل العيش وتوافر الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية”. ولفت التقرير إلى أن “الصراع بإقليم تيغراي الإثيوبي (بين الجيش وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي) والقضايا الكبيرة المتعلقة بسد النهضة (الإثيوبي) والعسكرة بإقليم بني شنقول جومز شمال غربي إثيوبيا أدت إلى إغلاق الحدود بين ولاية النيل الأزرق وإثيوبيا”. وأوضح أن “ذلك ألقى بظلاله على التجارة على الحدود وتبادل الإمدادات والأنشطة الزراعية، وزاد من ضعف الأشخاص الذين يعيشون قرب الحدود على كلا الجانبين، وأثر سلباً على حركة اللاجئين العائدين من إثيوبيا إلى السودان”.
الفراغ الأمني
ويقول خبراء: إن النزاعات القبلية تتصاعد في السودان بسبب الفراغ الأمني، خصوصًا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق السلام عام 2020م.