محمد علي التوم من الله يكتب: هيوفة بت قدال
كلامتير
محمد علي التوم من الله
هيوفة بت قدال
سألت (العم جوجل) فلم أجد منه رداً على شخصية تدعى (هيوفة بت قدال)، وليس معنى ذلك أن العم جوجل لا يوفر معلومات عن التراث الشعبي السوداني.
فالناشطون من الباحثين والمؤرخين السودانيين قد زوّدوه الكثير في هذا المجال. ولعله ومن الاسم يجوز لنا أن نقول إنه لا تتوفر معلومات شخصية كالتي تتوفر عن ظرفاء أم درمان كموسى ود نفاش والشيخ ود أبيض مثلاً وغيرهم، ولكن واضحٌ أن العبارة تدل أنها صفة للشخص (امرأة أو رجلاً) كثير الهيافة،
والهيافة حسب مفهومنا السوداني هي كثرة التجوال والدخول من مكان لمكان، ومن بيت لبيت ليل نهار بسبب وبدون سبب. ومصدر الكلمة من العربية الفصحى تطلق على العطش الشديد والهايف والشديد العطش، وكذلك الهائفة وهي منها لها معنى آخر منه مؤنث (هيفاء) الضامرة البطن رقيقة الخصر، ولعل ذلك الوجه الوحيد المحبب لصفة الجمال عند المرأة، وهو ما تغنى به الشعراء والمطربون.
لكن هيوفة هنا تأتي من معنى آخر غير محبب، وهو كما أسلفنا الكثير في التجوال دون هدف أو لمجرد (الزنبعة) كما نعرف معناها بالسوداني العميق.
والشيخ فرح ود تكتوك في ما يروى عنه أنّ له معنىً قريباً في وصف مساوئ التي تهيف، في قول ما معناه: (واحدات هفوت وواحدات لفوت وواحدات الرجل يأتي من العمل وهن يأتين من البيوت) إلى آخره.
إذن فصفة هيفاء مبالغة للهيافة، وهي ايضاً صفة مبالغة للهائف فيقال للرجل يا هيوفة!!
الخيال الشعبي السوداني مجسداً في الشخصية المجهولة التي أطلقت العبارة فاستهوت الآخرين فاتخذوها مثلاً على من تنطبق عليه. هذا الخيال لم ينس أيضاً أن يُحمِّل الأب وهو المربي، مسؤوليته، فأطلق على الأب اسم (قدال) قدال أيضاً كلمة تتناغم مع هيوفة، الاثنان لهما علاقة بالمشي.
لكن مشي لمشي يفرق.
القدلة هي مشية خيلاء وصاحبها مُعتدٌ بنفسه، وهي مشية لها إيقاعات.
إذن، فهيوفة شخصية لم تأت من فراغ، كما أراد لها الخيال الذي رسمها في المجتمع، فوالدها ينطبق عليه المثل الذي يقول: (إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص والطرب). إنها شخصية غير مسؤولة وتكثر الشخصية في الفئة الشبابية الذين لم يرتبطوا بقيود الحياة الزوجية وتجد أهله ميسوري الحال (فاكنو على كيفه).
ومهما يكن، فإن الشاب في مرحلة عمرية مبكرة يتطلع إلى أن يتعرف على العالم من حوله ويزود نفسه بالمعرفة والسفر والسياحة، بل أيضاً يؤهل نفسه بالتدريب في شتى ضروب الحياة، وهنالك من يهوى الموسيقى والغناء الخ..
بعض هؤلاء لا ينطبق عليهم توصيف هيوفة، وهم في مرحلة لكسب المزيد من المعارف والخبرات.
لكن هيوفة هو أو هي كل من يهينم على وجهه دون هدف ولا يمر على منزله إلا لدواعي التزود مجدداً بمعينات الهيافة.