لجان المُقاومة.. التقدُّم في وجه المُدْفَع!!
الخرطوم- آثار كامل. 27 أكتوبر 2022 م
تعتبر لجان المقاومة، روح الثورة السودانية التي بدأت احتجاجاتها ضد نظام المخلوع عمر البشير منذ الثامن عشر من ديسمبر 2018م، واستطاعت أن تضم الفئة الشبابية والعمل بتنظيم دقيق وإدارة الحِراك الثوري عبر استخدام وسائل مُتنوِّعة، أبرزها التتريس والحشد والمواكب، ونجد من خلال نشاطاتها هنالك لجانٌ في بعض المناطق أصبحت نُموذجاً ومُحفِّزاً للجان أخرى لتنظيم وتطوير عملها على كل المستويات بشكل أفضل، واستمرت لجان المقاومة في تطوير نفسها وصولاً إلى الانتخاب القاعدي لقيادتها والتأسيس لأكبر تجمع مؤسسي للجان المقاومة وصولاً إلى التوقيع على ميثاق تأسيس سلطة الشعب، والتمسُّك بالديمقراطية وقبول الآخر، بجانب التمسُّك باللاءات الثلاثة (لا تفاوض.. لا شراكة.. لا شرعية).
التحوُّلات الأخيرة
ظلّت الأوضاع السياسية في الفترة الأخيرة في حالة عدم استقرار، بجانب تغيّرات الأوضاع ابتداءً من اعتصام القصر وصولاً إلى إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر، مما جعل الشارع في حالة اختبار حقيقي استطاعت من خلاله لجان المقاومة اكتشاف الواقع السياسي الجديد والتفكير في كيفية الحفاظ على الثورة وعدم ضياعها بالشراكات والاتفاقيات لضمان تحقيق شعارات الثورة التي بموجبها تهيئ الدولة للانتقال إلى مرحلة التداول السلمي للسلطة والانتخابات.
ويقول المحلل السياسي أحمد ساتي الحسين لـ(الصيحة): رغم كل المتغيرات في المشهد السياسي، إلا أن صمود لجان المقاومة كشف لهم تخاذل القيادة السياسية ورضوخ البعض للتفاوض، كل ذلك جعل لجان المُقاومة في موقف اختيار ما بين المواصلة في أهداف الثورة أو الانصياع إلى القيادة السياسية والدخول مع العسكر في شراكة جديدة لتختار لجان المُقاومة أن تمضي في تحقيق أهداف الثورة “حرية.. سلام وعدالة”.
تصدر المشهد
ويضيف الحسين قائلاً: عقب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر، قادت لجان المقاومة المشهد بشكل كامل ابتداءً من التتريس وتسيير مواكب بالأحياء ورفع شعار اللاءات الثلاثة في وجه المجلس العسكري “لا تفاوض.. لا شراكة.. لا شرعية”، كما عملت على إصدار جداول شهرية وأسبوعية للمواكب المركزية واللا مركزية للتصدي لما أسمته بشرعنة الانقلاب حتى مغادرة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك.
المواجهة الحقيقية
قال الناشط عبد الله أحمد محمد في حديثه لـ(الصيحة) إن لجان المقاومة تجمع شعبي مفتوح كأكبر التفاف جماهيري للتغيير السياسى في السودان، وهي التي تسعى إلى الضغط لتحقيق أهداف محددة مرتبطة في الراهن بالتغيير السياسي، ونوه إلى زيادة نشاط تنظيم لجان المقاومة في الفترة الأخيرة كان ردًا على الانقلاب، وختم ذلك النشاط الفاعل بالتوقيع على ميثاق تأسيس سلطة الشعب الذي يضم جميع التنسيقيات، بجانب استخدام تراكم الخبرات خلال السنوات الماضية من تنظيم وتنسيق وتجهيز للمواكب والترتيب للمُخاطبات الجماهيرية بالتنسيق بين اللجان المختلفة على مستوى المناطق والمُدن، مُضيفاً: كان لتنسيقيات لجان المقاومة دورٌ كبيرٌ في التنظيم بعد انقطاع العلاقة مع القيادة السياسية، ونوه بأنّ لجان المقاومة أصبحت في وجه المدفع بعد الانقلاب، مما زاد الزخم الثوري وازدادت قوة بإعادة تشكيل نفسها وهياكلها لمُجابهة الوضع الجديد.
معرفة مُسبقة
قال عضو لجان مقاومة الخرطوم مجدي تيراب في حديثه لـ(الصيحة)، كانت هنالك إرهاصات مساء الرابع والعشرين من أكتوبر بحدوث تحركات حتى حدث انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر في الخامسة صباحاً، ولفت بأن الثوار بديهياً خرجوا رغم قطع الاتصالات والإنترنت، وتجمّعوا في نقاط التجمُّع بجانب التتريس وحرق الإطارات والخروج في لحظة واحدة في كل المُدن والولايات بدون ترتيب مُسبق كرد فعل طبيعي، لمعرفة الثوار مسبقاً بالانقلاب قبل البيان، وتم توصيل الرسالة منذ البداية، وأشار تيراب إلى أن لجان المقاومة كانت حاضرة منذ اشتعال شرارة ثورة ديسمبر، مُتمسِّكةً بالرفض والشراكة والمساومة، إلا أن قوى سياسية معارضة قبل فترة جلست في منزل السفير السعودي، لذلك أصبحت المقاومة والأحزاب السياسية ليس في خط واحد، ونوه بأن لجان المقاومة مواصلة في التصعيد الثوري.
إرجاع الحقوق
وأضاف تيراب في حديثه لـ(الصيحة) الآن يُجرى الحديث عن تسوية سياسية في الفضاء الإعلامي ولكن ليست هناك جهة رسمية أعلنت عن تلك التسوية لذلك كل قوى الشارع الحيّة ولجان المقاومة وكل الكيانات الرافضة للانقلاب، ترفض أي تسوية ما لم تتم المُحاسبة وإرجاع حقوق الشهداء، بجانب وجود أعداد كبيرة من المُصابين، فنجد أنّ هنالك أكثر من (6) آلاف مصاب، بجانب المُعتقلين والمفقودين، لذلك الشارع صاحٍ والمحاسبة واجبة، وأشار بأن النخب السياسية دائماً تحمي المصالح، فنجد الأحزاب السياسية منذ تاريخها وحتى الآن ليس مع الوطن (ما في أحزاب قعدت وعالجت مشكلة الوطن)، حتى بعد الثورة العظيمة ظهرت الصراعات الحزبية نتيجة الاستقطاب، ونجد من الأخطاء التي اُرتكبت التفاوض مع المكون العسكري وكانت النتيجة تدهوراً وموتاً واعتقالات.
وقال تيراب إن القوى السياسية التقليدية غير قابلة للوضع الحالي، لأنها ترى بأن لجان المقاومة منافسة لها، مشيراً إلى أنّ نظرتنا للأحزاب بأن تعمل على ترتيب بيوتها من الداخل وإرساء الديمقراطية أفضل من الصراعات الداخلية.
ترتيباتٌ خاصّةٌ
كشف مجدي، عن ترتيبات خاصّة للخامس والعشرين من أكتوبر، ونوه بأن تنسيقيات لجان المُقاومة مُواصلة في برنامجها الثوري لتحقيق أهدافها والوصول إليها، بجانب التّرتيب لإقامة فعاليات ثورية ومواكب ومُخاطبات وقصاصات وذلك بالخرطوم والولايات، لافتاً إلى أن اللجان أهدافها واحدة، بجانب جداول مُعلنة منذ البداية، وهنالك تفاصيل أخرى بجانب العمل المركزي.
كيان فاعل
قال المحلل السياسي د. خالد قنديل محمد، إن دور لجان المقاومة أصبح أكثر فاعلية عقب ما تم في الخامس والعشرين من أكتوبر مواصلة لفعالياتها خلال أيام الحِراك الثوري قبل سقوط النظام البائد، وأضاف بأنّه من المتوقع أن تصبح لجان المقاومة كيانا فاعلا في أدوار مُجتمعية تتخطّى مرحلة سقوط النظام إلى مرحلة البناء، خصوصاً بعد التوقيع على ميثاق تأسيس سلطة الشعب، وأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أنه من المُنتظر أن يكون لها دورٌ كبيرٌ وتمثيلٌ في الحكومة المدنية، وقال إنّ على الحكومة التفكير خارج الصندوق للاستفادة من حماس الشباب بتفعيل مشاريع منتجة والاستفادة من الشباب في تحريك الاقتصاد، ومن ناحية أخرى مُحاربة العَطَالَة.
متصدرة للحراك
يرى المحلل السياسي علي شرف الدين خلال حديثه لـ(الصيحة) أن لجان المقاومة بعد أحداث الخامس والعشرين من أكتوبر التي يراها المكون العسكري بأنها إجراءات تصحيحية وجدت نفسها متصدرة للحراك الثوري مرة أخرى، خُصُوصاً بعد الانقسام الذي وقع العام الماضي داخل تجمُّع المهنيين السودانيين، نتيجة خلافات داخلية، وتباين في تقديرات المَواقف من الشراكة بين المدنيين والعسكريين وموجات تخوين كل طرف للآخر، ونوّه بأنّ لجان المقاومة استطاعت عبر التنسيقيات أن تقود العمل المشترك، إلا أنها ما زالت تسعى أن تُصحِّح العلاقة مع القوى السياسية التي تأزّمت مؤخراً، ويضيف شرف الدين بأنّ الاختراقات السياسية للجان المقاومة لم تتوقّف، وجزم بأن لجان المقاومة في كل السودان هي الأداة الوحيدة القادرة على تحريك الشارع ضد ما تم في الخامس والعشرين من أكتوبر، في ظِلَّ الخلافات التي ضَرَبَت بعض الأجسام المهنيّة والنقابيّة.