رؤية “الحرية والتغيير” واتفاق حمدوك.. وقع الحافر على الحافر
رؤية “الحرية والتغيير” واتفاق حمدوك.. وقع الحافر على الحافر
الخرطوم- الطيب محمد خير
قبل عام رفضت القوى السياسية الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر 2020م، وعاد بموجب حمدوك إلى منصبه بعد نحو شهر من إقالته ووضعه قيد الإقامة، وأعلنت القوى السياسية أن الاتفاق الذي تضمن (14) بنداً، لا يمثلها وتم بين البرهان وحمدوك وليس بين المكوِّنين العسكري والمدني، إذ لم يشر لأي دور لقوى الحرية والتغيير، وتجاهل العديد من المسائل الأكثر خطورة بشأن الانتقال السياسي دون حل بما يجعل الطريق إلى التحوُّل الديموقراطي لا يزال غير واضح، ولجأت القوى السياسية إلى التصعيد والمواجهة عبر المواكب التي سقط فيها مئات الشهداء والجرحي من الشباب ما أدخل البلد في أزمة سياسية واقتصادية مستمرة، في مقابل ذلك جرت العديد من محاولات الوصول لحل الأزمة عبر العديد من المبادرات المحلية والدولية التي قوبلت بالرفض والتحفظ عليها من طرفي الأزمة التي أخذت في التصاعد.
حتى أعلن رئيس مجلس السيادة انسحاب القوات المسلحة من المشهد السياسي لإفساح المجال للمدنيين للتوافق حول تشكيل حكومة من كفاءات مدنية مستقلة، مطالباً القوى السياسية بالتوافق حتى يتم تسليمها السلطة كاملة وتفرُّغ العسكريين لتأدية مهمام المنصوص عليها في الدستور، غير أن القوى السياسية خاصة قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي شككت في ما أعلنه الفريق البرهان ووصفته بأنه مجرَّد تكتيك حتى جاء إعلان الفريق البرهان الثاني على نحو مفاجئ عن الاقتراب من الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تشمل مطالب الحركات الموقعة على اتفاق جوبا ولاتستثني أحداً عدا المؤتمر الوطني، وهذا ما أكدته الآلية الثلاثية بأن القوى السياسية اقتربت من الوصول لتسوية سياسية مع المكوِّن العسكري بعد سلسلة من الاجتماعات رغم الإنكار الذي أبدته قوى الحرية والتغيير وعدم مشاركتها في الحوار المباشر في سياق العملية السياسية التي تيسِّرها الآلية الثلاثية معلنة عن توصلها لرؤية موحدة حول أسس ومبادئ الحل السياسي تمثل جميع مكوِّناته.
وقامت قوى الحرية والتغيير بطرح رؤيتها في مؤتمر صحفي على قوى الثورة والانتقال لتطويرها وذلك بعد توارد أخبار عن وصول التفاهمات السرية بين المجلس المركزي والمكوِّن السعكري لاتفاق اشتمل على تشكيل حكومة كفاءات برئيس مدني، على أن تختار القوى المدنية رئيس الوزراء، والوزراء، وتشكيل مجلس للأمن والدفاع يتبع رئيس الوزراء، على أن يكون البرهان القائد العام للقوات المسلحة، و”حميدتي” قائداً لقوات الدعم السريع، وبمقارن هذه الرؤية مع الاتفاق الذي عقده حمدوك قبل عام مع الفريق البرهان نجده تضمَّن كثيراً من البنود مع اختلاف ضئيل في بعض النقاط، حيث تضمَّن اتفاق حمدوك تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يضمن مشاركة سياسية واسعة عدا حزب (المؤتمر الوطني)، فيما اعتمدت رؤية قوى الحرية والتغيير إدارة ماتبقى من المرحلة الانتقالية عبر مشروع الدستور الانتقالي المعد بواسطة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين هو الأساس المعتمد للحل السياسي، على أن تشمل التسوية الحرية والتغيير والقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة وتجمُّع المهنيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني الديموقراطي، هنا يظهر التطابق بين الاتفاقين في تعديل الوثيقة الحاكمة وتوسيع المشاركة، وتكوين حكومة مدنية من الكفاءات المستقلة تكنوقراط، وتم التطابق -أيضاً- على أن يكون مجلس السيادة هو المشرف على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، دون التدخل المباشر في العمل التنفيذي ويتفقان على تنفيذ اتفاق سلام جوبا واستحقاقاته وإلحاق غير الموقعين، وأيضاً إعادة عمل لجنة إزالة تفكيك نظام 1989م، ومراجعة أدائها في الفترة السابقة.
وفي ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسور حسن الساعوري، لـ(الصيحة) إن الرؤية التي تم طرحها من قبل الحرية والتغيير المجلس المركزي لم تأت بجديد سوى أنها اعتمدت مشروع دستور المحامين بديل للوثيقة الدستورية، لكن لم يضفوا جديداً على ما كان الأمر عليه قبل قرارات البرهان ولم تخرج هذه الرؤية عما تضمَّنه اتفاق البرهان حمدوك لكن هذا لا يخرج من أنه مناورة سياسية تأتي تبعاً لموافق سياسية مختلفة.
وأضاف الساعوري لا أرى جديد يذكر، لأن حمدوك وقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي هما وجهان لعملة واحدة وجميعهم آيديولوجيين، ومعروف أن الآيديولوجي ليس من السهولة أن يغيِّروا مواقفهم التي لا تؤثر فيها الظروف والمتغيِّرات.
وقال المحلِّل السياسي د. عبداللطيف محمد سعيد، لـ(الصيحة): واضح أن رفض اتفاق حمدوك البرهان من قبل قوى الحرية والتغيير كان بدافع الخوف من ردة فعل الجماهير والآن عادوا إليه، لأن الظروف تغيَّرت خاصة السياسية، لأن السياسية أرضية غير ثابتة يمكن أن تطرأ عليها كثير من المتغيِّرات في أي لحظة، فظهور تطابق بين اتفاق حمدوك ورؤية قوى الحرية والتغيير يعني تكرار الفشل الذي لازم فترة حمدوك.
وأضاف د. عبداللطيف: وهذا التكرار وانعدام الرؤية وعدم وجود، وواضح أن الرفض الذي تم لاتفاق حمدوك غير قائم على أسس ورؤية، ويؤكد بأن هناك خرمجة كما هو واضح الآن من الربكة الموجودة، فأنت لا تستطيع أن تتبيَّن من الذي يطرح ومن يؤيد ومن يرفض.