من لقاوة إلى ود الماحي.. من يحرِّك الصراع بالبلاد؟!!
من لقاوة إلى ود الماحي.. من يحرِّك الصراع بالبلاد؟!!
الخرطوم- صلاح مختار
سِمات تجمع الصراعات القبلية التي تندلع في نطاق واسع من الولايات, ربما تلك الصراعات طابعها واحد, وهو الصراع على الأرض وما بين المزارع والراعي, بيد أنه خلال السنوات الماضية كانت تحتوي من قِبَل الإدارة الأهلية التي تشكِّل عنصراً مهماً في إدارة الدولة. غير أن الشاهد بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، ازدادت وتيرة الصراعات القبلية واتسعت مساحتها وباتت تغطي معظم ولايات السودان, وبحسب إحصائيات دولية أن إجمالي القتلى في النزاعات القبلية في السودان أكثر بكثير من سقطوا خلال الحرب. ويفتح تجدُّد القتال وتمدده في مثل ولايات كردفان في لقاوة وفي وإقليم النيل الأزرق في ود الماحي يفتح الباب أمام تساؤل عن من يقف خلف تلك الأحداث؟ هل هناك أيادي خارجية تعبث بأمن واستقرار وتريد كما يروَّج له تفكيك السودان أم ماذا وراء الأحداث القبلية؟.
هيبة الدولة
يرى المحلِّل إبراهيم محمد آدم، أن نشوب الموجة الأخيرة من العنف القبلي لم يكن مفاجئاً على كل حال. وقال لـ(الصيحة): هي نفس المواجهات التي اندلعت في عدة مناطق داخل السودان منذ مطلع العام الجاري، حيث شهدت ولايتَا غرب وجنوب دارفور نزاعات قبلية على الأراضي الخصبة بين الرعاة والمزارعين في مارس، تسبَّبت في مقتل ما يزيد على مئتي شخص.وبالتالي تبقى هذه النزاعات مرشَّحة للتجدُّد مرة بعد مرة في ظل الانفلات الأمني والضبابية التي تفرض نفسها على الأفق السياسي في الخرطوم. وقال كذلك واحد من أسباب تلك الصراعات هي فقدان هيبة الدولة التي تشكِّل عنصراً مهماً لرأب أي صراع في أي ولاية من الولايات، مبيِّناً أن ضعف هيبة الدولة وإضعافها أمام المواطنين جعلت الكل يأخذ القانون بيده دون مراعاة وجود نظام ودولة.وأضاف بالقول: لا أميل إلى فرضية وجود إيادي خارجية واستخدام نظرية المؤامرة لتبرير فشل الدولة في إدارة الأزمة وإدارة التنوع في السودان ولا أعفي القوى السياسية بأنها جزء وشريكة فيما يدور من صراع في البلاد، وأكد أن الدول تنظر إلى مصالحها ليس في كل حال وانما تنشد الاستقرار واستمالة القبائل، ولكن ليس إشعال الحروب لإبطال مصالحها في المنطقة وأبان أن أحداث النيل الأزرق أوضحت بجلاء أننا محتاجون إلى حكومة قوية تفرض هيبتها وسلطانها.
الحكم الذاتي
وقال الناظر عالم مون جابر، عن أحداث مجازر النيل الأزرق الأخيرة منذ توقيع اتفاقية السلام الموقعة في الثالث من أكتوبر ٢٠٢٠م، والتي ناقشت جميع القضايا التي تخص الإقليم، قال بحسب بيان صحفي: ظللنا ندعو وندعم أمن واستقرار الإقليم، والتعايش السلمي وقبول الآخر. مبيِّناً أن الحكم الذاتي هو ملك لكافة أبناء وبنات النيل الأزرق، إلا أن هنالك من يريدون عكس هذه الحقائق بخلق واقع تسوده الكراهية والتحريض ضد الآخر، ما أدى إلى مواجهات عنيفة ودموية بين مكوِّناتنا الاجتماعية.وأضاف كان يجب أن لا يزج اسم القبيلة بالصراع السياسي، مبيِّناً أن القبيلة وحدة صغيرة تعنى بشؤون أفرادها وليس لديها الحق في فرض مطالب هي من صميم عمل الدولة، وأن وجود بعض أبناء أي قبيلة في السلطة لا يعني أنهم يمثلون قبيلتهم، وإنما يمثلون الدولة .مشدِّداً على ضرورة العمل على وقف التحريض القبلي ضد القبائل الدائر الآن في الإقليم، وعلى المكوك والنظار والعمد القيام بواجبهم المناط بهم، وذلك بضبط قومياتهم والسيطرة عليها، وتوجيهها التوجيه السليم ودعا لحوار مجتمعي جاد وشفاف بين أبناء النيل الأزرق، مؤكداً أن هذا الإقليم يسع الجميع، ويجب أن نقبل حقيقة أن التنوع قوة وليس ضعفاً، وقال ما يحدث الآن في الإقليم شيء مؤسف وغير مقبول ويجب مواجهته بشجاعة، وهنالك خطوط حمراء لا نقبل المساس بها سندافع عنها حتي ولو كلفنا غالياً .وطالب الأجهزة الأمنية الاطلاع بدورها في إرساء مخرجات لجنة أمن الإقليم (حالة الطوارئ) بفرض هيبة الدولة والقانون، والعمل على مبدأ المحاسبة، وذلك بمحاسبة الضالعين في هذه الأحداث من جميع الأطراف و تقديمهم للعدالة في أسرع وقت ممكن حتى لا تتكرَّر هذه الأحداث .
جذور سياسية
يقول السلطان سعد رئيس الإدارة الأهلية بغرب دارفور، والتي تعد أكثر الولايات في معدَّلات الأحداث القبلية العنيفة مؤخراً، إنه “لا نستطيع أن نجزم بأن الصراع القبلي في الولاية ليست له جذور سياسية، الشق السياسي موجود لأن الصراع يبدأ بالأفراد وينتهي بالقبائل” وأضاف لـ”الشرق” إن “سياسات الدولة ومن هم في السلطة تزيد من وتيرة وفرص الصراع وذلك باستغلال النفوذ والثروة، ما يخلق احتقاناً كبيراً يؤدي لانفجار الأوضاع”. ولفت سعد إلى أنه “في إقليم دارفور، انتشار السلاح وسهولة الحصول عليه، يتسبب بزيادة أعداد الضحايا، فيما يساهم غياب الدولة عن مناطق الصراع في ارتفاع الحصيلة، إلى جانب أن الحلول المتبعة لا تقضي على أساس الصراع.”
عامل سلبي
ومثّل الصراع السياسي عاملاً سلبياً في النزاعات القبلية، بحسب محمد زكريا، مقرِّر “الجبهة الثورية” وهي مجموعة حركات مسلحة، وأضاف لـ”الشرق” أن الوضع السياسي يؤثر على المجتمع “سواءً أكان ذلك سلبياً أو إيجابياً، إذ أن فرص الحل واندلاع أي صراع قبلي تتوقف على الوضع السياسي”. وأكد زكريا أن المدخل لإيقاف الصراع القبلي هو “تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بين الحركات المسلحة والحكومة السودانية”، وذلك لما فيه من بنود وترتيبات “مهمة” كالترتيبات الأمنية والتي “تمثل حجر الزاوية في استقرار الأقاليم المضطربة.