22 أكتوبر 2022 م
هو ابن خالتي..
وكان صغيراً – آنذاك – والآن طبيب؛ واسمه إبراهيم عبد المنعم..
وكنا مدعوين – عندهم – ذات يوم..
وبعد أن فرغنا من الغداء مر إبراهيم هذا من أمامنا وبيده صحن بطيخ..
وظنناه لنا؛ ولكنه تجاوزنا سريعاً..
ثم التفت إلينا – مبتسماً – وقال (ما تخافوا؛ البطيخ جاي)..
ولعله لاحظ أن أنظارنا تتبعه بقلق..
فإذا بصحن البطيخ هو لبعضٍ من صحابه – الصغار – بغرفة مجاورة..
والصحن نفسه كان صغيراً… وبطيخه قليلا..
ولكنا خفنا – فعلاً – بمظنة أن أصدقاءه الصغار هؤلاء هم كبار في نظره..
وهم الذين يستحقون البطيخ..
بينما يمكن أن نكتفي نحن بشاي ما بعد الغداء..
فنحن قد نكون كبار سن – عنده – ولكنا صغار من زاوية حجم جمال الرفقة..
وكثيرون خائفون – الآن – من كارثة قادمة..
خائفون مما يمكن أن يتمخض عنه ما يجري في الظلام بين قحت والعسكر..
يجري في الظلام رغم ما يقولونه في الضوء..
ففي العلن يجهرون بلغة التحدي… والوعيد… واللاءات..
وفي الخفاء يتسللون لواذاً إلى حيث العسكر هؤلاء يخطبون ودهم بلا خجل..
ومكمن خوف الناس أن تعود قحت هذه إلى السلطة..
فتُعيد كل شيء – كل شيء – سيرته الأولى المخيفة… ويقولون (الله لا عادها)..
فهي أسوأ حقبة سياسية في تاريخ السودان..
وتحديداً؛ أسوأ حقبة انتقالية في تاريخه المعاصر منذ نيله استقلاله..
ومن يلجأ لمثل هذا الأسلوب فهو صغير..
أسلوب ذي الوجهين؛ والمنهي عنه ديناً… وخلقاً… وعرفاً..
فهم يقابلون الثوار – والناس – بوجه..
والعسكر – أو (الانقلابيون) كما يسمونهم – بوجهٍ آخر… مراق منه الماء..
وعبارة إراقة ماء الوجه تُقال كناية عن الذل..
ومن يتودد – ويريق ماء وجهه – من أجل السلطة لا يستحق الاحترام..
ومن لا يستحق الاحترام لا يستحق أن يحكم..
ومن لا يستحق أن يحكم لا يستحق أن يكون طرفاً في المشهد السياسي..
ولا نقول كل مكونات قحت..
ونعني المجلس المركزي لقحت؛ فمنهم من يرفض مفاوضات السر هذه..
من أهل قحت ذاتها من يرفض هذا..
بمعنى أن جسم قحت – على صغره – انشق الآن إلى جُسيمات صغيرة..
وكل جُسيم منها لا يكاد يُرى بعين السياسة المجردة..
لا يُرى إلا بالمجهر؛ والمجهريون هؤلاء يريدون أن يحكموا..
فقد ذاقوا حلاوة السلطة من قبل..
ولا مانع لديهم من استعادتها ولو بالتذلل… والتمسكن… ولحس الشعارات..
والناس يشعرون بالخوف منذ أيام..
منذ أن سرت… وتسربت… وانسربت… شائعات عن قرب التوصل لاتفاق..
اتفاق بين جُسيم قحت – الصغير – هذا والعسكر..
ونحن نطمئن الخائفين هؤلاء بأن شيئاً من ذلك لن يحدث… لن يحدث أبداً..
وإن رأوا صحن بطيخ صغير يتجاوزهم..
يتجاوزهم نحو صغار قابعين بعيداً عن أنظارهم… كما في حكاية ابن خالتنا..
حكايته معنا… ومع البطيخ… ومع الصغار..
فأهل جُسيم قحت هؤلاء ليسوا بأكبر من صغار ابن خالتنا هذا إلا عمراً..
ولكنهم صغار عقولٍ… وقلوبٍ… وضمائر..
والعسكر يلعبون بهم – ويلهون – كما يلعب القط بالفأر… ومع الفأر..
أو كما يلعب الكبار مع الصغار..
ويمنُّونهم ببطيخٍ لن ينالوا منه ما ناله صغار ابن خالتنا إبراهيم أولئك..
والبطيخ هنا نقصد به السلطة..
وما يريده الناس هو بطيخ كفاءات مستقلة تعبر بنا إلى بر الانتخابات..
فيا أيها الناس: لا تخافوا..
البطيخ جاي!.