20 اكتوبر2022م
الموت وما أدراك ما الموت؛ ذلك الشيء الذي يداهمنا فجأةً من غير ميعاد ودون أن نكون على استعداد للقائه؛ وحقاً كما قيل عنه هادم اللذات ومفرق الجماعات؛ وليس هادماً للذة في مهدها أو أوجها فقط؛ وإنما غالباً في وجهة نظري قبل أو ابتداء اللذة أحياناً؛ أو هذا ما يحدث معي؛ فكلما سرحت بخيالي في هذه الدنيا الفانية وطعمت في حطام من حطامها سواء كان ذلك في منصب أتقلده أو زوجة ثانية تصلح ما أفسدته الأولى (الحمد الله زوجتي ما بتقرأ جرائد وإلا كان مت بعد كتابة العمود مباشرةً)؛ وأتذكر الموت فأجدني قد زهدت فيما طلبت أو اشتهته نفسي؛ فأجدني قانعاً بما أُوتيت شاكراً لنعم الله؛ بل احياناً اذهب ابعد من ذلك فأتخفف من بعض ما أملك من الأموال – على قلتها – وصدق رسول الله ساعة وساعة؛ وإلا لكنا نصافح الملائكة في الطرقات.
أكتب إليكم أعزائي القراء وأنا في العزاء في وفاة عمنا الحبيب (زوج عمتي الغالية) بالكلالكة المنورة؛ وصدقت العرب حين قالت العم صنو الوالد؛ فلقد كان شبيه والدي (رحمه الله) في كل شيء؛ ما زلت أذكر عندما كنا صبية صغارا دون الخامسة عشر ربيعاً وعندما نقوم بزيارة عمتي الغالية – ونادراً ما نقوم بزيارتها – (جمهورية الكلاكلة الشقيقة وكدا؛ ونحنا ناس أم درمان) فيقوم عمنا أبو بكر بإيقاظنا لصلاة الفجر ومن ثم انتظارنا حتى نفرغ من الوضوء ومن ثم الذهاب إلى المسجد؛ وما أدراك ما المسجد؛ كان المسجد بعيداً في طرف (الحلة) وكان الشتاء قارصاً؛ وكفتية صغار كنا نتأفف من ذلك كثيراً (الجهل مصيبة) ولم ندر أن الخير كل الخير في ذلك؛ والحمد لله الى الآن لم ندع صلاة الفجر في المسجد؛ فاسأل الله أن تكون في ميزان حسناتك عمنا الحبيب؛ نعم فارقتنا جسداً؛ إلا أن روحك معنا وما كان لها أن تفارقنا؛ وكيف لها أن تفارقنا وقد تعارفت أرواحنا وائتلفت؛ الحمد لله على كل حال؛ وأجد نفسي أتذكر أبيات أبو العلاء المعري في مرثيته الشهيرة على مر العصور(غير مجد في ملتي واعتقادي؛ نوح باك أو ترنم شادي
أبكت تلكم الحمامة أم غنت؛ على فرع غصنها المياد؛ صاح هذه قبورنا تملأ الرحب؛ فأين القبور من عهد عاد؛ رب لحد قد صار لحداً مراراً؛ ضاحكاً من تزاحم الأضداد؛ ودفينا على بقايا دفين؛ في طويل الأزمان والآباد؛ خفف الوطء؛ فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد)؛ نعم هو استواء السرور مع الهموم؛ والضحك مع البكاء؛ هو حالة تكون فيها النفس في حالة سكون تام؛ نعم إنه الموت؛ وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا نحن الأموات عند لقائه؛ ويمن علينا برحمته؛ أعزائي القراء لا أراكم الله مكروهاً فيمن تحبون؛ ودمتم سالمين.
managementsalah@gmail.com