إبراهيم حافظ يكتب: القراءة بمنظور ضحاياها
إن القراءة هي أكبر بحر تغرق فيه
يغريك جماله السطحي ولمعان ماءه
يشدك الذين سبقوك إلى هذا البحر
وكيف أنهم احترفوا الغطس فيه.
يشدك اختلاف وتنوع مخلوقاته وكثرة ما يحتويه هذا المحيط في بطنه.
ولكن لحظة ملامسة يداك لساحله الورقي
لن تبرح إلا بضع دقائق حتى تصل إلى القاع!
سيشدك هذا البحر إليه كما يشد مثلث برمودة من يقرب منه.
إنك تبدو على مَطلعه
مثل الشخص الجائع الذي يُستضاف إلى مائدة
هل تستطيع الرفض؟
سينقلك جوعك للمعرفة من صحن إلى آخر أجمل وألذ منه!
ستظل تتقدم سابحاً في هذا البحر مجبراً بغير إرادتك
تظن أنك أنت الذي تتخذ القرار بالسباحة نحو المنتصف العميق لكن الحقيقة الوحيدة أنه كالمغناطيس يشدك نحوه
ستلاحظ قليلاً قليلاً أنك إبتعدت عن أصدقاءك وأهلك الذين تركتهم في ساحل بعيد ضحل بالتراهات
تركت ما يلعبون
تركت حتى ما يتناولون من غذاء ملوث بذباب الإعلام واتجهت لتشبع جوعك الثقافي بوليمة دسمة في القاع الأدبي
سيسأل سائل ولم كل هذا الغرق والبلل الذي ملأتُ به الأرجاء؟
إجابتي هي وبكل بساطة أنه دائما ما تشع بداخلي عدد من الأصوات التي تنادي بأهمية تكوين رأي خاص بك في هذا العالم.
لطالما أصابني الفضول ساطعاً بسؤال لماذا يجب علينا فعل ما نفعله ولماذا نختار هذا الطريق دون الآخر؟
ولِم أنا مجبر من مجتمع بإختيار نهج لتعلمي وعملي بل حتى وصل لهم الأمر باختيار طريقة عيش حياتي؟
وبقليل من الوضوح أني أريد شق طريق خاص وشَيق مليئ بالإقتناع
بدلاً عن طريق مليئ بالتبعية والتساؤلات المملة.
أما الشق الثاني من إجابتي هو حب للغرق في القراءة من باب المتعة العقلية والذهنية
فسرعان ما يستيقظ عقلي بعد إنتباهه لمعلومة مسرعة معلنة عن دخولها من باب الورق المغلف إلى سياج عقلي الخصب
فأجد نفسي تلقائيا أرحب بها بأخذ نفس عميق وإبتسامة خفيفة مرسومة بمتعة مصدرها الوعي ؛ مع هزة رأس خفيفة توحي بتمام الفهم والإستيعاب .
إنه بصدق إحساس مدهش ولحظة صمت مليئة بشبق المعرفة.
وبعد هذه اللحظة تحركني دواخلي الانسانية بضرورة الإحتفاظ بهذه الذكرى الجميلة
أوليس نحن البشر عبارة عن ذكريات؟
نعم هذه هي الحياة مجموعة من الذكريات التي تعيشها!
وذلك الوقت الذي لا تتذكره ليس بحياة.
فمن حق هذه الذكريات علي بكل بساطة أن أتذكرها
فأحرك السائل الأزرق والأحمر من الحبر لدي لأحتوي هذه المعلومة أو العبارة به
بغير مبالاة مني لأولئك المثاليين الذين يصرخون بعدم الشخبطة على الكتب معللين بذلك ان هذا الفعل يجرحها
ويؤلم أوراقها!
من قال لهم هذا؟
لم أسمع كتاباً يقول صارخاً لا تمرِّر قلماً أو لوناً علي لأني أتألم.
يا لهم من حمقى مزعجون
حتى ذِكراي الجميلة من المعرفة لا يريدون مني الاحتفاظ بها عديمو الشفقة!!!
رغماً عن ذلك كله ولمحاولة إغلاق نوافذ هذا الموضوع
أنا كضحية للقراءة جئت أدافع عنها وعن بحرها اللألآء رغم طوافي جُثةً على سطحه.
متفادياً مصيري الذي سأصل إليه يوماً والذي عبر عنه الأديب فرانز كافكا قائلاً:
(تبدأ حياتك محاولًا فهم كل شئ وتنهيها محاولًا النجاة من كل ما فهمت)
خاتماً وموضحاً حال القراءة بمنظور ضحاياها..