التراضي السياسي الجديد.. توافق أم تسوية؟
الخرطوم- الطيب محمد خير
بدأت القوى السياسية منقسمة ومتباينة المواقف من الاتفاق الذي أعلن في تطوُّر مفاجئ بين أطراف الأزمة السياسية الرئيسة المكوِّن العسكري وقوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي برعاية من اللجنة الرباعية الدولية والآلية الثلاثية المكوَّنة من البعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية يونيتامس، والاتحاد الأفريقي إيغاد وقامتا بتسويقه مساراً سياسياً مستنداً على مسودة الإعلان الدستوري الانتقالي التي أعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين كأساس للحل يتطابق مع الموقف الدولي من أجل بناء أكبر قدر ممكن من التوافق بين أكبر عدد ممكن من القوى السياسية والأطراف المؤثرة لإنهاء الأزمة الناجمة عن قرارات القائد العام للقوات المسلحة في 25 أكتوبر، التي أطاحت بالشركاء المدنيين في السلطة الانتقالية وأنهت الشراكة القائمة التي وصفها الفريق البرهان حينها بأنها “إجراءات تصحيحية” جاءت نتيجة للتراجع السياسي الكبير وقتها لعدم القدرة على تأسيس سياسة توافقية ثابتة ومستقرة في البلاد مع رؤى اقتصادية تنهض باقتصاد البلد وتعالج مشاكله المالية .
وتضمَّن الاتفاق الذي بشَّر به عضو مجلس السيادة السابق القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد الفكي سليمان، في أغسطس بالاقتراب من إعلان ترتيبات دستورية ورئيس وزراء مدني خلال أسبوعين تضمن تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة إلى جانب توسيع دائرة المشاركة على أن تشمل الجميع “عدا المؤتمر الوطني“، مع تسمية قوى سياسية بعينها لإضافتها ونص على فترة انتقالية بين 18 إلى 24 شهراً، وحافظ على المكتسبات التي حققها اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة والفصائل المسلحة بشأن تقاسم الثروة والسلطة، مع ضمان أن تكون الحركات الموقعة على الاتفاق جزءاً من اختيار حكومة الكفاءات.
على الرغم من وصف الناطق باسم الآلية الثلاثية السفير محمد بلعيش، للإعلان الدستوري المرتقب الذي تضمنه الاتفاق بأنه أفضل مبادرة سودانية خالصة تلتف حولها القوى السياسية دون تدخل لإنهاء فصول الأزمة إلا بعض القوى السياسية من مكوِّنات تحالف الحرية والتغيير أظهرت رفضها للاتفاق، حيث أبدى حزب البعث العربي الاشتراكي اعتراضات على ما وصفه بالتسوية السياسية الجارية، وقال تجمع المهنيين في بيان له، إنهم غير معنيين بالتسوية بين الحرية والتغيير ومن يصفهم بعسكريي المعزول عمر البشير.
ورغم أن الاتفاق حافظ على المكتسبات التي حققها اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة والفصائل المسلحة بشأن تقاسم الثروة والسلطة إلا أن مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور رئيس حركة جيش تحرير السودان، أحد مكوِّنات مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير أبدى تخوُّفاً من عودة قوى الحرية المجلس المركزي مجدَّداً للاستحواذ السلطة في الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية وحذَّر من دخول المشهد السياسي مرحلة مجهولة تُدار فيها مؤسسات الدولة بمنهجية منفردة ما قد يؤثر سلباً على العملية الديموقراطية في نهاية الفترة، جاء في تغريدة كتبها مناوي على حسابه بتويتر إن العملية الجارية بين العسكريين ومجموعة المجلس المركزي هي عودة للشراكة الثنائية لما كانت عليه الحال قبل 25 أكتوبر، وأضاف هذه الاتفاقات الثنائية سترجع بالبلاد إلى مربع لم تدخل فيه من قبل، وأضاف غداً لناظره قريب -على حد تعبيره.
وقال المحلَّل السياسي وأستاذ العلوم السياسية د. راشد محمد علي، في حديثه لـ(الصيحة): التسوية السياسية تكون بين أطراف متعدِّدة أم التوافق يكون بين كل المجموعات الموجودة في المشهد السياسي؟ والتفاوض جارى الآن تم بين المكوِّن العسكري وقوى الحرية والتغيير ويشمل العملية المتعلقة بالتوافق الوطني كلياً مابين المجموعات السياسية والعسكرية وبالتالي هذا الاتفاق يشمل كافة ألوان الطيف االسياسي المؤيد للغير، وأضاف لكن الحديث بأن هناك كتل مستبعدة من التوافق هذا غير صحيح، لأن آلية التفاوض تسعى لإيجاد التوافق الوطني وليس إعادة قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي للمشهد السياسي كما يتخيَّل البعض عبر تسوية سياسية، وهذا الحديث زاد من دافعية الصراع وخلق صراع مركَّب لوجود أطراف أخرى غير موجودة في هذا الاتفاق، وهنا يبدأ الصراع بين مجموعات تشاركت في التغيير واختلفت بعده .
وأشار د. راشد إلى الإشكالية الآن هناك قوى ترى أنها خارج دائرة التفاوض ولا تشملها لأن التفاوض جاري بين المكوِّن العسكري والمجلس المركزي برعاية الآلية الثلاثية، وأضاف أساس الإشكالية أن كل هذه المجموعات دخلت المرحلة الانتقالية وليست لها اشتراطات الكفاءة والفاعلية لممارسة الدور الانتقالي ومارسوا الصراع السياسي وهذا أفقدهم الثقة فيما بينهم ما أصاب المشروع الانتقالي في مقتل وأن كانت هناك إراد حقيقية للوصول لنهاية إيجابية للمرحلة الانتقالية تحقق أهداف الثورة على هذه المجموعات الخروج من دائرة الفعل في المرحلة الانتقالية .
ونفي د. راشد أن تقدُّم الآلية الثلاثية كمثل للجهات دولية على العمل لإجراء تسوية سياسية بين المكوِّن العسكري والمجلس المركزي وتكون مخرجاتها قابلة للاعتراض والرفض .
من جانبه قال المحلِّل السياسي د. عبداللطيف محمد سعيد، هناك كثير من الانقسامات ظهرت في الساحة السياسية ولم تسلم منها حتى لجان المقاومة في الأحياء ناهيك من القوى السياسية، وهذا ما جعل الساحة السياسية مرتبكة يصعب تحديد اتجاهاتها هناك جزء من مكوِّنات المجلس المركزي ينفي مشاركته وصلته بالاتفاق وهناك من يقول إنه لن يشارك في المرحلة القادمة، كما جاء على لسان أيمن نمر الوالي السابق بأن التجمع الاتحادي غير مشارك بينما دفع حلفيه حزب الأمة بمرشح لمنصب رئيس الوزراء .
وتساءل د. عبداللطيف هل الذي قبل الجلوس كل مكوِّنات المجلس المركزي أم جزء منه حتى نستطيع أن نتعرَّف على طبيعة ما يتم؟ والغريب أن هذه المجموعة التي تدير التفاوض غير موحَّدة الخطاب ولم تسم ناطقاً رسمياً باسمها ليبين كلٌّ يغرد ويتحدث بلسان مختلف وبالتالي لايمكن الحكم على مايجري بأنه تسوية أم اتفاق، لأن التسوية دائماً تكون بين أطراف في موقف قوة، لكن الآن ليس هناك شئ واضح لنبني عليه، الذي نشاهده لعبة سياسية فوضوية غير معروفة الاتجاهات وغير محدَّدة موازين القوة فيها يعني فوضة سياسية.