التجّار يتخوّفون من أثر الزيادة على حركة الاقتصاد
خبير اقتصادي: العلاقة بين زيادة المرتب والأسعار تلاشت تماماً
المالية: إجمالي زيادة المرتبات 15 مليار جنيه
الناير: راتب المعاشي لا يساوي قيمة الأجر الذي كان يتقاضاه
الخرطوم : مروة كمال
أعلنت الحكومة مع بداية العام العام الحالي زيادة الأجور للعاملين بالدولة والمعاشيين وتضمينها ميزانية العام الحالي بواقع خمسمائة جنيه لأقل درجة في هيكل الرواتب إذ تصل الزيادة حتى 2500 جنيه للدرجات العليا، وأيضاً زيادة 500 جنيه لفئة المعاشيين. ويبلغ الحد الأدنى للأجور في السودان 425 جنيهاً ولم تتم زيادته منذ 2013، بيد أنه كانت هنالك زيادة في البدلات في نوفمبر 2016م، استهدفت رفع العلاوات للمعلمين والمهن الصحية والإدارة والخدمات، وتم إدخال هذه الزيادات لبقية القطاعات الأخرى التي لم تكن في السابق تتمتع بعلاوات أساسية، ولا شك أن الزيادة صاحبت الفترة التي شهدت تضخماً بصورة كبيرة أقصاه تجاوز 63% فضلاً عن التضخم النقدي للجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية والذي تجاوز 100%، وبحسب مدير شؤون الخدمة المدنية، أحمد علي عبد الرحمن، فإن الزيادة التي أعلنت تم استثناء بعض العاملين بالوحدات الحكومية من زيادة الأجور، خاصة الذين تم تعيينهم بشروط خاصة، وفي دراسة للمجلس الأعلي للأجور حدد فيها تكلفة الحد الأدنى للمعيشة بواقع 8992 جنيهاً لأسرة مكونة من 6 أفراد، وأن الحد الأدنى للأجور يفترض أن يرتفع 2 ألف و19 جنيهاً في العام الحالي.
حجم الزيادة
وتشير الإحصاءات بحسب وزارة المالية الى أن حجم إجمالي زيادة مرتبات العاملين والمعاشيين بلغ 15 مليار جنيه في موازنة العام الحالي التي تعاني عجزا بلغ أكثر من (54) ملياراً، ويقدر خبراء اقتصاديون أن الزيادة قليلة بيد أنها تزيد رقم الأجور في الموازنة العامة من 33 مليار االي 51 مليار جنيه، خاصة وأن الدولة ليس لديها خيار سوى أن تعدل مرتبات العاملين، بالرغم من أن التعديل الذي تم في الأجور غير المجزي ولم يكن التعديل المطلوب وسط توقعات بتعديل أفضل من ذلك في ظل ضعف الأجور، إلا أن وزارة المالية اعتبرت ما تم بأنه أكبر زيادة تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة، والتي يتم تطبيقها اعتباراً من يناير الجاري لجميع العاملين والمعاشيين، ونظرًا الى الانخفاض الذي يشهده الناتج المحلي الإجمالي والذي يعني أنه لا توجد زيادة حقيقية في متوسط دخل الفرد، وتظل زيادة متوسط دخل الفرد نقدية وليست حقيقية كما يحدث في السودان لسنين عددا، ولذلك فإنه في الحقيقة أن زيادة المرتبات لا تتجاوز محاولة تغطية جزء من التآكل في المرتبات جعل من هذه الزيادات غير حقيقية في متوسط دخل الفرد والتي تظل نقدية وليست حقيقية بحسب اقتصاديين الذين أكدوا أن زيادة المرتبات لا تتجاوز أن تكون محاولة لتغطية جزء من التآكل في المرتبات والتي لا تنطبق على جميع العملين.
مخاض عسير
وسبق أن أعلن اتحاد العمال بعد مخاض عسير عن زيادة أجور العاملين بالدولة في موازنة العام المقبل استجابة لمؤشرات غلاء المعيشة، حيث شمل الغلاء في السودان جميع السلع وألحق أضراراً غير مسبوقة بذوي الدخل المحدود، وأيضاً المرتفع فضلاً عن التضخم الذي بلغ مستويات مرتفعة تجاوزت 68%، وقال رئيس اتحاد عام نقابات عمال السودان يوسف عبد الكريم إن الزيادة ستكون بواقع خمسمائة جنيه لأقل درجة في هيكل الرواتب إذ تصل الزيادة حتى 2500 جنيه للدرجات العليا وأيضاً زيادة 500 جنيه لفئة المعاشيين. ويبلغ الحد الأدنى للأجور في السودان 425 جنيهاً، ولم تتم زيادته منذ 2013، بيد أنه كانت هنالك زيادة في البدلات في نوفمبر 2016م، استهدفت رفع العلوات للمعلمين والمهن الصحية والإدارة والخدمات، تم إدخال هذه الزيادات لبقية القطاعات الأخرى التي لم تكن في السابق تتمتع بعلاوات أساسية.
تخوّف التجار
وعقب إعلان زيادة الأجور مؤخراً تخوف الكثيرون من زيادة متزامنة معها خلافاً لما يؤكده التجار أنفسهم بأن ما يؤثر على السوق سعر العملة ومدى ثبات سعر الجنيه السوداني مقابل النقد الأجنبي، خاصة وأن انهيار العملة الوطنية يؤثر بشكل جوهري على عملية ارتفاع الأسعار، واتفقوا أن ما يجعل الزيادة مجزية أن تحدث الحكومة تغييرات في العملية الاقتصادية وتوجيه الدعم المالي المقدم منها نحو القضايا الخدمية التي يستفيد منها الشعب.
خطوة نحو الأجر الأساسي
أمين علاقات العمل باتحاد عمال السودان خيري النور، أكد لـ(الصيحة) أن الزيادة التي تمت في أجور العاملين بالقطاع العام على مستوى الدولة اتحادياً وولائياً، وقال إن الزيادة عبارة عن علاوة إزالة مفارقات لجهة أن هنالك بعض الوحدات تتمتع بامتيازات عن بقية وحدات الدولة وهي قليلة، مؤكداً أن الاتحاد العام للعمال يسعى لزيادة الأجور لتواكب مستوى المعيشة، مشيراً إلى أن الاتحاد بدأ في العام 2016م لإزالة المفارقات في موازنة في 2017م حيث كانت توجد مفارقات في العلاوات والبدلات لم تكن مطبقة على جميع العاملين، وقال إن هنالك مفارقات في الأجور يجب أن تعالج، لافتاً إلى أن ما تم من زيادة هذا العام خطوة مهمة في زيادة الأجور واعتبرها مقدرة جداً لجهة أنها أكثر 100%، وأقر النور بأن البون شاسع جداً بين الأجر ومستوى المعيشة، مبيناً أن هيكل الأجور متدرج، ونوه الى وجود برامج أخرى مصاحبة لزيادة الأجور، فضلاً عن رؤية اقتصادية متكاملة لرئيس مجلس الوزراء بدأ التطبيق به يتمثل في المنتج مباشرة إلى المستهلك، وقال إن الأسعار في الأسواق غير مبررة وليست بفعل الدولار كما يشاع .
لا تدخل في الراتب الأساسي
ويرى الخبير الاقتصادي دكتور الفاتح إبراهيم في حديثه لـ(الصيحة) أن زيادات أجور العاملين وفقاً لتفسير مدير شؤون الخدمة المدنية لطبيعة زيادات الأجور التي أقرتها الحكومة بالتوافق مع اتحاد عمال السودان، فإن هذه الزيادة في الأجور ينظر إليها أنها علاوة غلاء معيشة، وهذا يعني أنها لا تدخل في الراتب الأساسي وبالتالي لا تحتسب في مكافآت نهاية الخدمة، مبيناً أن العاملين بالوحدات الحكومية الذين تم تعيينهم وفق شروط في الغالب تكون أجورهم عالية جدًا وهم خارج قانون الخدمة المدنية بشكله التقليدي، جازماً بأن نسبتهم قليلة، لافتاً الى أن الزيادة التي تمت هي عبارة عن علاوة بغرض معالجة مشكلات العاملين واعتبر انها لا توجد بها إشكلالية كقيمة ما لم يتم احتسابها في مكافآت نهاية الخدمة، وقال إن هذا يعتبر هروباً من أن يتم تسجيلها في مكافأة نهاية الخدمة، وقال: في حال تم تسجيلها تعتبر كبيرة خاصة وأن الزيادة بلغت 2500 جنيه مقارنة مع مجموع العاملين مما يؤدي إلى انهيار الموازنة لذلك يتم احتساب الزيادة كعلاوات في إطار الموازنة السنوية، وقال إنه غالباً لا يتخذ مدير شؤون الخدمة المدنية القرار من نفسه، ولذلك يغلب أن يكون قراره هو ما تم الاتفاق عليه بين اتحاد العمال ووزارة المالية واتحاد أصحاب العمل.
مشاورات ودراسات
ويضيف الفاتح بقوله: (إن الزيادة تتم وفق مشاورات ودراسات حول قدرة وزارة المالية واتحاد أصحاب العمل على دفع قيمة الزيادة وما يترتب عليها من زيادات في مكافأة نهاية الخدمة)، قبل أن يزيد بقوله: إن القضية ليست في أن زيادة الأجر هل تكفي، ولكن بالضرورة ترتبط الزيادة مباشرة بمدى قدرة المشغل على الإيفاء بها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة فغالباً ما يضطر المشغل الى إغلاق المنشأة وبالتالي بفقد العامل العمل نفسه، مشيراً إلى أن معظم الشركات والمؤسسات الحكومية تعاني من الخسارة وأيضاً شركات القطاع الخاص التي تعمل في بيئة غير مواتية في ظل معدلات تضخم مفرطة وصعوبة في الحصول على التمويل والسيولة.
وقال إن المعادلة ليست بهذه البساطة أو اتخاذ قرار فقط،لافتاً إلى أن السؤال من يدفع وكيفية أن يكون بوسعه أن يدفع، لذلك هنالك تفاوت في الحد الأدنى للأجور في دول العالم الغنية، ففي الصين مثلاً ثالث أكبر دولة في العلم يصل الحد الأدنى للأجر فيها عشر الحد الأدنى للأجر في أمريكا، لجهة أن طريقة القياس للحد الأدنى للأجر تختلف من دولة لأخرى وأن أختيار أساسيات المعيشة تختلف فيها الأسعار من دولة لأخرى.
ويمضي الفاتح في حديثه بأن طريقة اختيار الحد الأدنى للأجور تخضع لعدة عوامل متمثلة في الأسعار السائدة في الدولة وقدرة المنشأة الموجودة سواء كانت قطاعاً حكومياً أو خاصاً على دفع الزيادة، لذلك يتم إقرار الزيادة عبر تشاورات تشارك فيها الأطراف ذات الصلة للوصول لحد أدنى متفق عليه وأن يتم تنفيذه دون الإضرار بمصالح العمال فلن يستفيد العامل في حال تم إغلاق المنشأة، فعليه أن يقدم بعض التنازلات.
تلاشي العلاقة
وعن تأثير زيادة المرتبات في أسعار السوق، يؤكد الفاتح أن الظرف الاقتصادي الحالي تلاشت العلاقة بين زيادة المرتب والأسعار، لأسباب استند عليها الفاتح متمثلة في اضمحلال حجم السيولة وضعف حجم الاقتصاد مقارنة بـ25 سنة ماضية الذي تضاعف عدة مرات وأصبح حجم الناتج الإجمالي يفوق 80 مليار جنيه، جازماً بأن ما يؤثر على سوق سعر العملة ومدى ثبات سعر الجنيه السوداني مقابل النقد الأجنبي، وأضاف أن انهيار العملة الوطنية يؤثر بشكل جوهري على عملية ارتفاع الأسعار، وزاد “إن معظم الارتفاع في الأسواق يتعلق في الأساس بانهيار قيمة الجنيه السوداني.
حلول مطلوبة
وفيما يتعلق بالحلول المطلوبة من الحكومة التي يمكن أن تعالج بها ضعف الحد الأدنى للأجور، يرى الفاتح أن المطلوب من الحكومة حتى تكون الزيادة مجزية تغير الطريقة التي تدير بها العملية الاقتصادية، لافتًا الى أن معظم الدعم المالي الذي توجهه الحكومة نحو الشعب يذهب لدعم الوقود ولا تستفيد منه الطبقة الوسطى ومحدودو الدخل، فلو ذهب الدعم نحو المواصلات العامة والصحة والتعليم لكان وضع المواطن أفضل دون زيادة المرتبات، فمعظم دخل المواطن يذهب للمواصلات، جازماً بأن آليات الحكومة للتعامل مع الدعم غير سليمة وتم إنشاؤها في زمن الوفرة، فهنالك من أثرى ثراء فاحشاً من البترول والخبز وعامة الشعب لم ينعكس عليه الدعم، ورهن جعل مرتبات العاملين مجزية لهم بالاستفادة المثلى من الدعم الحكومي في القضايا الخدمية.
تحديات عمالية
ويعتبر مراقبون أن الحد الأدنى للأجور، وعدالة الأجور من الحقوق الأساسية والدستورية. والمرتبات والأجور وما يرتبط بها من تأمينات ومعاشات وخدمات تعتبر على النطاق العالمي من وسائل توزيع الدخل القومي بين فئات المجتمع. ومن الطبيعي أن تكون القضية محل اهتمام النقابات والمنظمات الحقوقية والقوى السياسية، بيد أن هنالك مجموعة من التحديات تواجه العمال، على رأسها الظروف الاقتصادية وانعكاسها على غلاء الأسعار، فضلاً عن ضعف الأجور واتساع الهوّة بين الحد الأدنى للأجور والغلاء المعيشي، إذ إن الراتب لا يكفي لسد 20% فقط من تكاليف مستوى المعيشية. يذكر أنه ضمن التحديات ضعف قدرة الدولة على سداد المرتبات، فعند إقرار الزيادة على الرواتب والأجور، سرعان ما تتحوّل إلى متأخرات بسبب عدم التزام الحكومة بدفعها، إضافة الى أن القوانين العمالية تشكل أكبر تحدٍّ يواجه العمال، ولا سيما أنهم لم يشاركوا في صياغتها، ما جعلها بعيدة عن معاناتهم، مما يتطلب ضرورة أن تعرض القوانين على الجمعيات العمومية العمالية، لتكون معبّرة عنهم”.
تحقيق العدالة
ويقول الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين والخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير لـ(الصيحة) إنهم ظلوا منذ زمن بعيد يطالبون الدولة بزيادة في الراتب الأساسي ليستفيد العامل أثناء الخدمة وما بعد الخدمة، لافتاً إلى أن الزيادات التي تمت عبر الحقب الماضية عبارة عن علاوات لا تنعكس على العاملين عقب نهاية الخدمة، وأضاف أن المعاشيين من الشرائح المهمة في المجتمع والتي يجب أن يرتفع معاشها، مشيراً إلى أن راتب المعاش لا يساوي قيمة الأجر الذي كان يتقاضاه العاملون أثناء خدمتهم، داعياً الدولة الى ضرورة تحقيق العدالة العالمية التي يتقارب فيها أجر المعاشي مع العامل عبر التعديل في المرتب الأساسي، جازماً بأن إزالة المفارقات يحقق العدالة بين جميع العاملين بالدولة.
ويعزو مراقبون أسباب عدم التطبيق الكامل لغياب آلية تفتيش العمل بالمعايير الدولية المعمول بها في معظم دول العالم وعدم وجود تنظيمات نقابية في معظم المنشآت الخاصة والتي من مهامها مراقبة تنفيذ القوانين العمالية، وأيضاً من عوامل ضعف الأجور وعدم تطبيق القوانين واللوائح والاتفاقيات عدم وجود التنظيمات النقابية في معظم المنشآت وفقدان الموظفين والمهنيين نقاباتهم بالتذويب في نقابة المنشأة.